لا مثيل لحلويات بنت جبيل الرمضانية

لا مثيل لحلويات بنت جبيل الرمضانية
لبنت جبيل حلوياتها الخاصة، ابتكرها أبناؤها منذ عشرات السنين، حافظوا على صناعتها، لكنها بقيت من اختصاص عائلاتها فقط. فلم تنتشر ...

لبنت جبيل حلوياتها الخاصة، ابتكرها أبناؤها منذ عشرات السنين، حافظوا على صناعتها، لكنها بقيت من اختصاص عائلاتها فقط. فلم تنتشر حلويات «المرشوشة» و«التطلي» و«الغريبة» في مناطق أخرى أو حتى في القرى والبلدات المجاورة. ولم يجهد أحد من أبناء المنطقة في صنعها، حتى أن معظمهم لا يسمعون بها، رغم تاريخها العتيق.
ينشط في بنت جبيل اليوم العديد من تجار الحلويات الرمضانية، ومعظمهم من الذين ورثوا هذه المهنة من آبائهم وأجدادهم، فلا وقت للحديث عند «الحلونجي» رائف العشي في رمضان، «فأنا أعمل ليل نهار، لأصنع الحلويات البنت جبيلية، التي يعود تاريخها الى أكثر من 200 سنة، فنحن نتعلمها أباً عن جد»، ويشير الى أن «المرشوشة» و«التطلي» هي الأكثر رواجاً وانتشاراً اليوم في بنت جبيل، وأسعارها مقبولة، ويرغب الأهالي في شرائها، فهي التي تذكرهم بتراثهم، وتعني لهم الكثير الكثير. يعتقد العشّي أن «حلويات بنت جبيل ذاع صيتها في الثلاثينيات وكانت تجارتها رائجة حينها، واستمرّت حتى منتصف الستينيات».
يلفت الحاج محمد حيدر (75 سنة)، ابن بلدة عيترون، الى أن «الاحتلال الاسرائيلي ساهم في حجب هذه الحلويات عن المناطق الأخرى، طيلة أكثر من ثلاثين سنة». كلام حيدر يفسّر عدم معرفة الأجيال الجديدة في المنطقة بحلويات بنت جبيل، لكن حيدر يشير الى أن «بنت جبيل أثناء الاحتلال بقيت سوق الحلويات الوحيد لأبناء القرى المحتلة الأخرى، وهي الآن لا تزال كذلك، اما أبناء القرى والبلدات الأخرى فقد أصبح لهم سوقهم ومذاقهم الخاص».
يميّز أبناء بنت جبيل بين أكلة «التطلي» و«المرشوشة»، فالأخيرة هي الأكثر رواجاً، أما «التطلي» فهي التي يطلق عليها أيضاً اسم «الدراويش»، وهي «كانت أكلة الفقراء، صنعها سهل ولا يحتاج الى كلفة مالية»، بحسب المؤرّخ مصطفى بزي. ورغم ذلك فإن البلدة لم تخلُ يوماً من هذه الحلويات الشهيرة، ويشير العشّي الى أن «معظم الزبائن هم من كبار السن أو المغتربين الذين يشتهون كل ما هو قديم ومخلّد في ذاكرتهم، حتى أن بعضهم يأخذون كميات كبيرة منها الى بلاد الاغتراب».
يوضح الحلونجي ابراهيم داغر أن «عمل المرشوشة صعب جداً، ويحتاج إلى وقت طويل، ولا سيما أثناء العجن ورشّ العجينة على الصاج، فالعجينة التي تزن 35 كلغ تحتاج إلى رشّها على الصاج إلى 6 ساعات أو أكثر». لهذا السبب، «لم تشتهر المرشوشة خارج البلدة»، وبحسب المؤرخ بزي «فهي ليست مربحة نسبة إلى التعب وثمنها الذي لا يتعدى 8000 ليرة لبنانية للكيلوغرام الواحد». يذكّر بزي أن «أول من لجأ الى صناعة الحلويات البنت جبيلية هم ابراهيم داغر وسليم سعد ومحمد العشي، وكان ذلك في العشرينيات، وقد ورث أبناؤهم وأحفادهم هذه المهنة الى يومنا هذا». ويذكر بزي بأكلة «الغريبة» النادرة كاسمها، وهي «قديمة جداً، لكن يوجد زبائن لها حتى الآن، تصنع من السميدة والسكر والسمنة، ولا تحتاج الى الفرن، فهي تؤكل نيئة بعد جبلها بالماء وضغطها بأوزان ثقيلة جداً، ثم يتم تقطيعها واضافة طحين السكر إليها، لتصبح أكثر أكلات الحلوى سهولة ورخصاً». وعن أكلة «التطلي» يقول العشّي «نترك مقدار كوب من السميدة الخشنه مع كوب من الماء البارد لمدة 4 ساعات ثم نطبخها على النار حتى الغلي ونضيف اليها السميدة المنقوعة بالماء ثم قليلاً من ماء الزهر، وبعد غليها جيداً نقوم بتبريدها ثم نزين وجهها بالصبغة». أما «المرشوشة» فهي، بحسب بزي، «تشبه الشعيبية كالخيطان، لكن لها طريقة وخلطة خاصة، وقد سميت بهذا الاسم لأن عجينتها ترشّ رشاً عبر ثقوب وعاء على لوح حديدي يوضع على الفحم أو على النار، وتبقى مدة ربع دقيقة ثم تزال بواسطة مسطّح خشبي وتوضع على صينية كبيرة لمدة أكثر من 6 ساعات حتى تجفّ». بعد ذلك، «تنقل إلى صينية أخرى مطليّة بالسمن البلدي وتوضع في الفرن حتى تحمرّ من الجهتين، وبعد إخراجها يبللونها بالقطر البارد». أما مكونات العجينة، فيقول ابراهيم داغر، ابن محمد زينو داغر، صاحب معمل المرشوشة في بنت جبيل، إنها «مصنوعة من طحين وقطر وملح وماء توضع بنسب محددة، وترشّ بواسطة رشّاش حديدي خاص». مع الوقت، أدخلت على المرشوشة بعض «الإضافات، إذ يمكن الآن تزيينها بالقشدة أو الجوز، بحسب الطلب». ويعتبر بزي أن عددا من الأكلات البنت جبيلية انقرضت، منذ زمن، مثل «الأرمش»، وهي أشبه بحبال من السكر المطبوخ الملوّن، وأكلة «اللفطونة» وهي تشبه «البقعات» التي يضاف اليها صبغة صفراء وطحين الذرة، وكانت تصنع يوم كل خميس، ليتم بيعها في سوق الخميس في بنت جبيل مع الكبّة النيئة والسودة النيئة أيضاً.



الأخبار