معامل لإنتاج الطاقة مثل «محطة فيروز» ... بانتظار مرور القطار!

معامل لإنتاج الطاقة مثل «محطة فيروز» ... بانتظار مرور القطار!
معامل لإنتاج الطاقة مثل «محطة فيروز» ... بانتظار مرور القطار!: التزمت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري الاعتماد على الطاقة المتجددة لإنتاج 12% من احتياجات لبنان الاجمالية من الطاقة (كهربائية وحرارية) بحدود عام 2020. وجاء هذا الالتزام بناء على إصرار وزير الط

التزمت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري الاعتماد على الطاقة المتجددة لإنتاج 12% من احتياجات لبنان الاجمالية من الطاقة (كهربائية وحرارية) بحدود عام 2020. وجاء هذا الالتزام بناء على إصرار وزير الطاقة والمياه جبران باسيل. وكنا نتوقع ان تكون خطة الكهرباء منسجمة مع التزامات الحكومة. ولكن في تحليل الخطة نرى ان من اصل 5000 ميغاوات، قدرة انتاج كهرباء مجهزة بعد عام 2015، هناك فقط 355 ميغاوات قدرة انتاج كهرباء من الطاقة المتجددة، وهذا ما يمثل قدرة انتاج (ان معامل انتاج الكهرباء على الطاقة المتجددة تعمل بحدود اربعة آلاف ساعة في السنة بينما المعامل الحرارية ممكن ان تعمل بحدود 6500 الى 7000 ساعة في السنة) لا تزيد عن 4% من الطاقة الكهربائية وسوف تصل حصة الطاقة المتجددة الى اقل من 2% من احتياجات لبنان الإجمالية من الطاقة. اذا كان هكذا من السهل تم تجاوز التزامات البيان الوزاري، فإنه من السهل ايضا تجاوز اهداف الخطة الا وهي تأمين 24/24 ساعة كهرباء بحلول نهاية عام 2014!
تلحظ الخطة انتاج 600 الى 700 ميغاوات من معامل انتاج الكهرباء على الغاز (دورة مركبة) للقسم الأكبر منها بكلفة 875 مليون دولار (1.25 مليون دولار للميغاوات). كذلك تلحظ ان يقوم القطاع الخاص بإنشاء معامل بقدرة 1500 ميغاوات عاملة على الغاز بكلفة 1.5 مليار دولار قبل عام 2014 ومعامل بقدرة 1000 ميغاوات بعد عام 2015. ولا نعلم لماذا كلفة المعامل الممولة من القطاع الخاص (1مليون دولار للميغاوات) هي اقل من كلفة المعامل الممولة من الدولة اللبنانية؟ فإذا كان القطاع الخاص بإمكانه إنشاء معامل بأقل كلفة من الدولة، فلماذا الإصرار على إنشاء هذه المعامل من قبل الدولة؟

ملاحظات على معامل الغاز
لكي تتمكن المعامل الجديدة من انتاج الكهرباء يفترض تأمين الغاز الطبيعي لها. وهنا نتفاجأ ان كلفة إنشاء محطة تحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي وخطوط نقل الغاز الى المعامل هي على عاتق القطاع الخاص! فعلى إي أساس يتوقع قبول القطاع الخاص بإنشاء هذه المحطة وهذه التمديدات؟ وما هي كلفة الاستملاكات التي يفترض ان تؤمنها الدولة؟ ان كلفة انشاء محطة للغاز المسال تؤمن 350 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في السنة هو بحدود مليار دولار. ان حاجة لبنان لتأمين الغاز الطبيعي لمعامل ذات قدرة مجهزة 3300 ميغاوات (كما هو مرصود في الخطة) بحاجة الى 3.1 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في السنة. كما ان تحويل السيارات على الغاز الطبيعي وتغذية المعامل وايصال الغاز الى المنازل يفترض تأمين 1.7 مليار متر مكعب اضافية، فتكون الحاجة الى 4.8 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في السنة، اي ما يوازي 100 ناقلة غاز مسال بحمولة 80 الف متر مكعب في السنة (المتر المكعب من الغاز المسال يولد 600 متر مكعب من الغاز الطبيعي). ان عدد ناقلات الغاز المسال العاملة حاليا في العالم هو 135 ناقلة. والطلب عليها كبير وليس من السهل استئجارها، أضف الى ذلك ان كلفة التأمين على الناقلات في المناطق غير ألآمنة، مرتفعة جدا. ان الناقلات الكبيرة لا يمكن أن تقترب كثيرا من الشاطئ اللبناني ولا بد ان تفرغ حمولتها في عرض البحر بواسطة أنبوب يمثل نقطة ضعف كبيرة. ولا بد من التوضيح ان الغاز الطبيعي لا يمكن تحويله الى غاز سائل بواسطة الضغط انما بتبريده الى ما دون ناقص مئة وستين (C˚ 160- ) درجة مئوية. من هنا الكلفة العالية لتكنولوجيا الغاز المسال المتعلقة بالتبريد وبالنقل والتحويل الى غاز والتخزين إضافة الى خطورته. ان اي حادث امني يمكن ان تتعرض له اي ناقلة سوف يدفع الناقلات الى عدم التوجه الى لبنان وإغراق البلد في عتمة دامسة أبدية.

ملاحظات على الترشيد
تتوقع ورقة باسيل زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية 7% سنويا. لمعالجة ذلك تلتزم بإعداد ونشر ثقافة استهلاك الطاقة واعتماد برامج «لترشيدها» وصولا الى تحقيق شعار «سخان شمسي لكل شقة». وتتوقع تحقيق خفض للطلب على الطاقة مقداره 1% في السنة (5% خلال مدة تنفيذ الخطة). ان الهدف الموضوع متواضع جدا (1% خفض مقابل 7% زيادة)، بالرغم من وجود إمكانات توفير ما لا يقل عن 3% سنويا اذا ما اتبعت خطط فعالة على غرار تونس والاردن (استراتيجيتها تخفيض 20% في عشر سنوات) او اذا ما تم تطبيق المشاريع التي اقترحتها الجمعية اللبنانية لترشيد الطاقة والبيئة ( ALMEE) من ضمن المخطط الشمسي اللبناني (الذي اعد بالتعاون مع نقابة المهندسين) او اعطاء الامكانات اللازمة لجمعيات متخصصة في لبنان لتطبيق برامجها في مجالات ترشيد استهلاك الطاقة والطاقات المتجددة مما يمكنه توفير 3100 جيغاوات ساعة في السنة عام 2015. الا انه تم التركيز بشكل اساسي على اللمبات الموفرة للطاقة وعلى السخانات الشمسية.
اما شعار «سخان شمسي لكل منزل»، فهو غير قابل للتحقيق لأن 70 % من الأبنية السكنية في لبنان هي شقق في ابنية عالية ولا يوجد في الاساس امكنة شاغرة لتركيب سخانات شمسية على اسطحها. اما الحملة التي تقوم بها وزارة الطاقة والمياه وشركة كهرباء لبنان بدعوة المواطنين لزيادة قدرة عدداتهم فسوف تؤدي الى ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية بدل ان يتراجع وما هو الا تشجيع على تركيب المكيفات وزيادة الاستهلاك وتراكم العجز!

اين الطاقة الشمسية؟
إن الخطة المقدمة شطبت لبنان ولفترة طويلة عن لائحة الدول التي تسعى الى تنمية استعمالات الطاقة المتجددة. وهناك مشاريع مشتركة لدول حوض المتوسط مثل DESERTEC لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بكميات كبيرة (آلاف الجيغاوات) و «المخطط الشمسي المتوسطي» الذي يهدف الى تأمين قدرة إنتاجية كهربائية من الطاقة الشمسية بمقدار 20 جيغاوات بحدود عام 2020 في دول جنوب المتوسط... كان بإمكان لبنان ان يستفيد منها، لكنه لم يلحظ في استراتجيته إنتاج ميغاوات واحد من الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية!
بالرغم من الارقام الهزيلة للطاقة المتجددة في ورقة سياسة قطاع الكهرباء والتي تضع لبنان في اسفل قائمة دول العالم في هذا المجال، تقوم وزارة الطاقة بالتغني بخطتها التي ترصد تجهيز معامل 165 ميغاوات تعمل على الطاقة المتجددة من أصل معامل تنتج 3500 ميغاوات المنوي انجازها حتى عام 2015 في مؤتمرات الطاقة وفي كل مناسبة وتؤكد على تحقيق نسبة الـ 12% طاقة متجددة في عام 2020 من دون ان تشرح لنا كيف سوف يتم ذلك! علما ان خطة الكهرباء بعيدة كل البعد عن تحقيق أهداف الحكومة المعلنة في البيان الوزاري في هذا المجال. وقد صرح وزير البيئة محمد رحال في منتدى الاعمال حول الطاقة الذي عقد في بيروت في 18 من الشهر الجاري «ان رسم الحكومة للهدف الواقعي 12% من مصادر الطاقة البديلة للإنتاج الكهربائي والحراري يعرف عن طموحنا وسعينا الجديين لملامسة الأرقام والنسب العالمية المحددة للاتفاقات الدولية»، وبما ان الأرقام العالمية في هذا المجال تحدد نسبة 20% من الطاقة المتجددة من كامل احتياجات الطاقة عام 2020 وليس فقط من إنتاج الكهرباء مما يؤكد ان هدف لبنان هو 12% من مجمل احتياجات الطاقة، فهل ان خطة لبنان تتلخص بتحقيق هذه النسبة، اي 600 ميغاوات (يوجد من أصلها حاليا 300 ميغاوات من المعامل الكهرومائية فيبقى إنشاء 300 ميغاوات محطات إضافية كهرومائية ومزارع هوائية حتى عام 2020)؟ ان هذا التناقض الفاضح في تفسير هدف الحكومة يقتضي التوضيح.

خطة من دون لون
لعل الشيء الوحيد الممكن تحقيقه لتحسين التغذية هو استئجار البواخر بقدرة 280 ميغاوات ولكن كلفة الكيلوات ساعة لن تقل عن 255 ل.ل. وكما نعلم ان معدل الجباية هو 64 ل.ل. للكيلوات ساعة، مما يرتب زيادة الدعم المالي للقطاع. كما ان هذا الحل بحاجة الى شراء محطات تحويل كهربائية مناسبة، كلفتها غير مرصودة في الخطة ويزيد من التلوث البيئي في الهواء وفي البحر. أو ليس هذا خصصة لإنتاج الكهرباء؟ وكيف تكون هذه الخصخصة مقبولة هنا ومرفوضة وفق القانون 462؟
ان الكلفة المالية النظرية للخطة حسب الورقة السياسية المقدمة هي 6.52 مليار دولار واذا ما تم اضافة المبالغ غير المرصودة (استملاكات، توظيف، تصحيح كلفة المعامل ومحطة استجرار الغاز وغيرها) سوف يصل المبلغ الى حدود 9 مليارات دولار كحد ادنى تضاف اليه تغطية العجز المالي لشركة كهرباء لبنان على 4 سنوات، 8 مليارات (على افتراض ان الانتاج سوف يرتفع مما يرفع العجز ايضا) وهذا ما يرفع كلفة الخطة الى 17 مليار دولار! ان الكلفة العالية جدا للخطة وطرق تمويلها غير المؤكدة، تجعلها غير قابلة للتنفيذ (على اساس انها رزمة واحدة، كما أكد وزير الطاقة).
ان الخطة المقدمة هي من دون لون واضح. فهي لا تفصح صراحة ان كانت تسعى الى خصخصة قطاع الكهرباء ام لا؟ فمن جهة تطرح فتح باب التوظيف في شركة كهرباء لبنان وربط حصرية الانتاج والنقل والتوزيع بها وتصفية شركات كهرباء الامتياز، ومن جهة اخرى تدخل القطاع الخاص (نظريا) الى 50% من قطاع الانتاج وكامل قطاع استجرار الغاز ونقله وكامل قطاع التوزيع أضافة الى تلزيم انتاج الكهرباء للبواخر التركية. لا نعتقد ان الأجناس الهجينة قابلة للاستمرار.

العودة الى خطة فنيش
سوف تمضي وزارة الطاقة ببناء معامل الكهرباء التي لن تعمل لعدم توفر الغاز المسال والتي ستكون مثل «محطة فيروز» قائمة بانتظار مرور القطار.
كنا نتمنى لو تسنى للحكومة السابقة اعتماد الاستراتيجية التي اعدها وزير الطاقة السابق محمد فنيش وغيره من الوزاء المرتكزة على القانون 462، لكنا وفرنا الكثير من الوقت الضائع ولكانت اعادة هيكلة القطاع قد تحققت على غرار ما قام به الاردن وعلى غرار ما تقوم به سوريا حالياً... ولكانت القدرة الانتاجية قد زادت وانتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة قد انطلق والقسم الاكبر من مشاكل القطاع قد حلت.
ان ثروات لبنان الطبيعية غير المدفونة من طاقة شمسية ورياح ومياه هي ظاهرة للعيان.
ان القدرات العلمية والفنية والتقنية في مجالات الطاقة المتجددة متوفرة في لبنان.
ان التكنولوجيات في مجلات انتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة اصبحت فعالة وامكانيات تمويلها من برامج اورومتوسطية (MSP - DESERTEC...) متوفرة، وقد طلب رسمياً من لبنان ان يتقدم بمشاريعه في هذا المجال ولكنه ظل غائبا عن السمع!
الا يستحق كل هذا لفتة من الحكومة ومن وزارة الطاقة والمياه لإعطاء الفرصة لاستغلال هذه الثروات غير المدفونة، والاستفادة من القدرات المتوفرة، والتعاون مع المشاريع الاورومتوسطية، على غرار التوجه الذي أقرته للتنقيب عن ثروات لبنان المدفونة؟
ولكن وفق هذا المسار الذي ألزمت وزارة الطاقة والمياه الحكومة به، على اللبنانيين ان يتحضروا لدخول موسوعة غينيس عام 2014 على أساس ان لبنان هو البلد الذي فيه اكثر ساعات تقنين في العالم.

الحل المطروح
اما الحل فهو واضح ويتمثل بتحديد:
- الطلب الفعلي على الطاقة ( اهو5000 وفق تقديرات الوزير ام 3180 ميغاوات وفق تقديرات مؤسسة كهرباء لبنان، ام 4000 ميغاوات وفق تقديرات البنك الدولي بعد عام 2015؟).
- وقف الهدر الفني، وإزالة التعديات عن الشبكة وتحديثها وتوسيعها، وتفعيل الجباية، ورفع التعرفة (مع الاحتفاظ بتعرفة اجتماعية لصغار المستهلكين فقط مختلفة عن التعرفة الحالية التي يسفيد منها بشكل اساسي كبار المستهلكين).
- وضع برامج جدية للحد من الطلب على الطاقة (في المباني السكنية والتجارية والمصانع والانارة العامة وضخ المياه وغيرها، حيث يوجد امكانية لخفض الطلب لا تقل عن 750 ميغاوات).
- الارادة السياسية لتطبيق القانون 462 لجهة تحرير قطاعات التوزيع والانتاج، وسن التشريعات اللازمة. عندما يتحرر الانتاج لا يبقى على الهيئة الناظمة ووزارة الطاقة والمياه سوى الاختيار بين مشاريع الانتاج المقدمة من قبل القطاع الخاص وما اكثرها (والمستوفية الشروط الفنية والقانونية والمالية الموضوعة من الدولة) وسوف تتنوع ما بين مشاريع على الفيول او على الغاز او الطاقات المتجددة (ويمكن تحديد نسبة لكل نوع منها).
- أما شركة كهرباء لبنان فيبقى قطاع النقل حصريا في يدها وتبقى تدير معامل الانتاج الحالية من خلال شركة تتفرع عنها.
- ان قطاع التوزيع ممكن ان ينظم وفق ورقة الوزير باسيل (بالنسبة لمناطق موزعة على 10 مجموعات) ولكن على اسس تتناسب مع مفهوم تحرير القطاع، أي ان تقوم شركات التوزيع بشراء الكهرباء من شركات الانتاج وتوزيعها بناء على التعرفة التي تحددها الدولة وتقوم بالجباية وتستفيد الدولة من رسوم نقل الكهرباء على الشبكة العامة (وقد اثبتت التجربة قدرة شركات الامتيازعلى تحقيق جباية تفوق 98% من قيمة الكهرباء المفوترة مقارنة مع شركة كهرباء لبنان التي تقل الجباية فيها عن 60%).
- يكفي على وزارة الطاقة والمياه والجهات المعنية تشكيل وفد وزيارة الاردن ليروا بأم العين كيف نظم قطاع الكهرباء في هذا البلد على هذه الاسس بنجاح كبير وكيف ان سعر الكهرباء ظل مقبولا بالنسبة لكافة القطاعات الاجتماعية والصناعية والسياحية وغيرها.
وفي الختام فقد بشًر وزير الطاقة اللبنانيين بأن أزمة المياه أتية لا محالة بعد أزمة الكهرباء ولا بد انه منكب على تحضير خطة ثانية لإنقاذ قطاع المياه (وبعده الصرف الصحي)، نتخيل انها سوف تطالب ايضا بصلاحيات استثنائية للوزير وبميزانية خيالية للوزارة، وما على اللبنانيين سوى تسليم أمرهم «للوزير المنقذ» وان يشاركوا بألعاب الحظ التي يقوم بتنظيمها لعلها تقع عليهم القرعة فيربحوا أحد المولدات الصغيرة (بعد السحوبات «الناجحة» على السخانات الشمسية) والتي من الممكن ان تمنحهم نعمة الكهرباء.

جريدة السفير
28 ك1 2010