كخلية نحل، تعمل العديد من النسوة في البقاع في هذا الوقت من السنة. تراهُنّ حول المواقد وفوق سطوح المنازل تارة، وفي ...
كخلية نحل، تعمل العديد من النسوة في البقاع في هذا الوقت من السنة. تراهُنّ حول المواقد وفوق سطوح المنازل تارة، وفي المطاحن ومحال الخضار وبيع الحبوب تارة أخرى، يلملمن الخير وينثرنه على الرفوف بين حنايا المنازل.
الكل يسعى بقاعا لتموين الغلة الغذائية الشتوية. لا فرق بين المقيمين والنازحين وحتى المغتربين.
لائحة طويلة اعتادوا طعمها ومذاقها يحرصون على تأمينها. تعدّدها الحاجة رقية حمية، وهي تحرك قدر مربى البندورة على الموقد، الكشك والمكدوس والقاورما والمربيات والمخللات والقديد والفواكه المجففة والزيتون وزيته، والعسل ودبس العنب والرمان...
إلا أن أمراً طرأ على مشهد إعداد المونة البقاعية. تعاونيات دخلت مجال تصنيع المونة الريفية، بمساعدة ربّات منازل ونسوة بقاعيات، استطعن أن يرفدن تلك التعاونيات بخبرتهن في تصنيع المونة، الأمر الذي دفع عائلات إلى استسهال الحصول على المونة، بشرائها من تلك التعاونيات «خالصة مخلصة دون عذاب قلب» كما تقول حنين إحدى السيدات البقاعيات اللاتي لا يتقنّ تصنيع المونة.
حنين ليست الوحيدة، فثمة سيدات يعتمدن على التعاونيات الريفية لتأمين مؤونتهن، فيما السبب في ذلك لا يقتصر على عدم إتقانهن للعمل بل أيضا، بحسب الدكتورة راغدة المصري، رئيسة تعاونية «زادت الخيرات ـ بدنايل»، على «دخول المرأة مجال العمل، إذ لم يعد لديها متسع من الوقت لمتابعة أمور إعداد المونة، فضلاً عن التطور المالي لدى بعض العائلات، التي باتت تستسهل الحصول على سائر متطلباتها من المونة ودون اي عناء».
«زادت الخيرات ـ بدنايل» إحدى التعاونيات، التي تعد المونة البقاعية، والتي تعتمد عليها ربات منازل من قرى البقاع. الأمر نفسه بالنسبة إلى «رابطة سيدات دير الأحمر» التي اشتهرت بتصنيع المونة منذ سنوات في قرى دير الأحمر غرب بعلبك، هي تعد اليوم إحدى التعاونيات التي باتت ربات المنازل في البقاع ومختلف المناطق اللبنانية يعتمدن عليها لتأمين المونة. رئيسة الرابطة دنيا الخوري أوضحت أن اعتماد ربات المنازل على إنتاج التعاونيات «لا يعد أمراً مسيئاً إلى التقاليد التراثية البقاعية، لأن من يصنع المونة في التعاونيات هن نسوة القرى، والتعاونيات عملت على تعديل استراتيجية العمل من المنزلي التقليدي، إلى إطار مؤسساتي يرمي إلى تنمية المهارات وتحصين الوضع الاجتماعي، فضلاً عن تحسين الدخل للنسوة ورفع مستواهن العلمي والمعرفي من خلال دورات تدريبية».
بعض التعاونيات تخطّت في تصنيع المونة الريفية البقاعية، أهداف تحسين دخل النسوة، ورفع مستواهن الثقافي والعلمي، إلى «السماح لعائلات وربات منازل بأن يستعملن معدات التعاونية، بهدف الإفادة واكتساب الخبرات، ومقابل بدل مادي رمزي»، كما هو الحال في تعاونية «بيادر شمسطار للمونة البيتية». ليس هذا فحسب، فالتعاونية التي تعمل إلى جانب تعاونية «العدل والإحسان الخيرية» تسعى من خلال مردودها المالي إلى «توفير المساعدات للعائلات الفقيرة في بلدة شمسطار»، بحسب ما يؤكد رئيس التعاونية علي زين.
وإذا كانت التعاونيات قد اختصت في تصنيع المونة، فإن نسوة وعائلات بقاعية اخترن انتاج المونة وحدهن كمصدر رزق دون العمل تحت اسم تعاونية. سوزان الديراني وعائلتها إحداهن. دأب أفرادها على مدى سنوات طويلة على إنتاج ورق العنب ومكدوس الباذنجان وبعض المخللات والمربيات. اليوم باتت الديراني تحتل شهرة واسعة وتبيع ما يقارب المئة طن من المكدوس كل موسم.