حرائق الأحراج المفتعلة والإجراءات العديمة النفع : يعتبر تاريخ 5/12/2010 الأسوأ لأنه اليوم الأكثر سواداً في تاريخ الثروة الحرجية في لبنان. ففي هذا التاريخ اندلع ما يتجاوز 120 حريقاً على مساحة الوطن من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه ومن بقاعه إلى شماله ومن جبله إلى
يعتبر تاريخ 5/12/2010 الأسوأ لأنه اليوم الأكثر سواداً في تاريخ الثروة الحرجية في لبنان. ففي هذا التاريخ اندلع ما يتجاوز 120 حريقاً على مساحة الوطن من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه ومن بقاعه إلى شماله ومن جبله إلى ساحله، بحيث لم تسلم منطقة واحدة من حريق التهم آلاف الشجرات المعمّرة وأدى إلى خسارة ملايين الأمتار المربعة الخضراء التي نحتاج لتعويضها إلى حوالى نصف قرن من الزمن. وحسب ما صرح به المدير العام للدفاع المدني العميد درويش حبيقة فإن أكثر من 90% من هذه الحرائق وغيرها هي من فعل البشر، لأن الإجراءات الرادعة بحق هؤلاء وبحق من سبقهم لم تتخذ بعد، وذلك عملا بقرار مجلس الوزراء المتخذ بتاريخ 13/1/2010 الذي قضى بتشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزراء الدفاع والزراعة والعدل والداخلية والبلديات والبيئة، مهمتها إعداد الاقتراحات الآيلة إلى تطوير وتحديث القوانين والأنظمة المرعية الاجراء بما من شأنه الحفاظ على الثروة الحرجية والحد من قطع الأشجار والأحراج وتشديد العقوبات بحق المخالفين.
هذه اللجنة التي اجتمعت بتاريخ 6/12/2010 بقيت قراراتها حبراً على ورق.. لأنها لم تتطرق إلى محاسبة المسؤولين وتحديد مسؤولية المقصرين.. وما هي مسؤولية الوزارات المعنية، علماً أن الأحراج وأعمال التحريج والمشاتل أصبحت منذ حوالى العشر سنوات من مسؤولية وزارة البيئة... أضف إلى ذلك المساحات الشاسعة من أجود الأراضي الزراعية التي يقتطعها سنوياً الزحف العمراني والتي تقدر بحوالى 5 ـ 6 آلاف دونم سنوياً تخسرها الأرض الزراعية. وهنا أيضاً نسأل عن عدم سن القوانين التي تحمي الأرض الزراعية وتعمل على تشجيع البناء في الأراضي الصخرية والجرداء عبر تقديم حوافز معينة، الهدف منها، حماية السهول والأراضي الزراعية الخصبة التي يصعب تعويضها. هذا ما يدفعنا للنظر بالمرسوم رقم 2366 الصادر بتاريخ 2/7/2009، القاضي بتصنيف الأراضي والذي يحدد عوامل الاستثمار بين متدنية ومتدينة جداً والذي لم يوضع موضع التطبيق كونه يحتاج إلى آلية تطبيقية بعد تشكيل لجنة إدارية برئاسة رئيس المجلس الأعلى للتنظيم المدني وتضم مندوبين عن وزارات ومؤسسات عدة.
التشجير الإجباري
وبالعودة إلى البيان الوزاري للحكومة الحالية الذي حدد ضرورة التوصل في عام 2011 إلى إنتاج مليوني غرسة من الشتول سنوياً، نرى أن التحريج يفترض ان يحتل حيزاً هاماً ويعتبر قضية وطنية عملا بالشعار القائل: «التشجير الإجباري بدل التجنيد الإجباري». وهذا يتطلب وضع الخطط التنفيذية انطلاقاً من أهمية الشجرة في حياة الإنسان وفي الحفاظ على التربة وتنقية الهواء.
وإذا كنا نلاحظ المضي بأعمال التحريج سنوياً التي تقوم بها مؤسسات حكومية ومنظمات غير حكومية، وجمعيات أهلية وبيتية وبلديات، فإن هذا العمل رغم أهميته إذا لم يتابع فإنه سيذهب أدراج الرياح خاصة إذا علمنا بأن متابعة الغرسات المزروعة يجب أن يستمر على مدى ثلاث سنوات رياً وتعشيباً، ويجب حمايتها من الرعي ومن قطعان الماشية... ومن الحرائق المفتعلة وغير المفتعلة علماً بأن هناك أشجار مثل الصنوبر إذا احترق لا يجدد نفسه بل يتعرض لليباس عكس البلوط والغار والخرنوب والشوح وغيرها.
العمران العشوائي
وبحسب الإحصاءات فإن خسارة لبنان من المساحات الخضراء خلال الفترة الواقعة بين العامين 1995 و1999 قدرت بـ23 مليون متر مربع التهمتها النيران، يضاف إليها ما خسره لبنان خلال حرب عام 2006 ـ 3700 هكتار. وكما أن خسائر الأحراج عام 2007 كانت مرتفعة حيث بلغت المساحة المحترقة 4500 هكتار.
وإذا كنا قد تناولنا الحرائق كخطر يتهدد المساحات الخضراء فإن هناك تهديدات أخرى لا تقل خطورة عن الحرائق ومنها الألغام والقنابل العنقودية التي تركها العدو الاسرائيلي في مناطق الجنوب وأدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح وأدت ايضاً إلى تقلص في المساحات الزراعية المستثمرة وفي مساحات الغابات، كما أن الرعي الجائر وقطع الأشجار وانجراف التربة وتلوث مصادر المياه والجفاف والإفراط في استثمار مصادر المياه الجوفية وانتشار المقالع والكسارات غير المرخصة، يضاف إلى ذلك الانتشار العمراني العشوائي كلها مجتمعة عوامل تؤدي إلى خسارة مساحات من الأراضي الزراعية، ويعتبر الفقر وانعدام فرص العمل عوامل سلبية تؤدي إلى هجرة الأرض وتضاف إلى الأسباب الواردة آنفاً وطبقاً للمادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر ان المناطق القاحلة وشبه القاحلة الجافة هي مناطق معرضة للتصحر حيث يتراوح معدل تساقط الأمطار السنوي نسبة لمعدل التبخّر المحتمل بين 0,50 و0,60% نتيجة لذلك فإن 60% من مساحة لبنان تقع ضمن دائرة الخطر.
زيادة الفقر
يعتبر تدهور الموارد الطبيعية من المظاهر الأساسية للفقر، وهذا الأمر أكثر ما يكون وضوحاً في الأنظمة الريفية الزراعية حيث يعتبر استنزاف أو تلوث الموارد المائية أو تدهور الأراضي أو نفقان الثروة الحيوانية من المخاطر الكبيرة التي تؤثر على الانتاجية الزراعية ومستوى الدخل، وبالتالي غالباً ما تؤدي إلى انتـشار الفقر. وما يزيد من الأمر سوءاً أن الموارد المادية للسكان الريفيين غالباً ما تكون مستثمرة بالنشاطات الاقتصادية المعتمدة اعتماداً كلياً على الموارد الطبيعية وبالتالي، فإن سوء إدارة الموارد المائية والبيئية المتمثل مثلا بالتصحر والجفاف وتملّح التربة واستنزاف الموارد المائية، وحدوث الكوارث الطبيعية مثل حرائق الغابات تؤدي بمجملها إلى فقدان هذه الموارد، وبالتالي انتشار الفقر.
وبالنتيجة تزداد هجرة السكان الريفيين إلى المناطق الحضرية بحثاً عن العمل، حيث تتفاقم أعداد الفقراء ومشاكلهم وازدياد معدلات الفقر وتدني مستوى التعليم وتراجع المستوى الصحي لتلك الشرائح الاجتماعية التي ينتج عنها آثار سلبية كبيرة على الصحة العامة، وهذه المشاكل تساهم بدورها في زيادة استنزاف الموارد المادية، القليلة أصلاً، لدى هذه الفـئة الفقيرة من المجتمع.
28 ك1 2010