الشبكة التعاونية السداسية لتسويق المحاصيل: شبكة التعاونيات الزراعية المذكورة تضم "التعاونية الزراعية لزراعة وتصنيع الأعشاب الطبية والعطرية في منطقة بنت جبيل"، ومركزها قرية عيترون، إلى الجمعية التعاونية الزراعية للإنتاج والتصنيع الغذائي في عين إبل، الجمعية ال
شبكة التعاونيات الزراعية المذكورة تضم "التعاونية الزراعية لزراعة وتصنيع الأعشاب الطبية والعطرية في منطقة بنت جبيل"، ومركزها قرية عيترون، إلى الجمعية التعاونية الزراعية للإنتاج والتصنيع الغذائي في عين إبل، الجمعية التعاونية للإنتاج والتصنيع الزراعي في دبل، الجمعية التعاونية الزراعية في الحلّوسيّة وجوارها، تعاونية قرية حولا الزراعية وتعاونية جبل عامل للنحّالين التي تتخذ من قرية مجدل سلم مقرّاً لها.
تنشط تعاونية عين إبل في مجال التصنيع الزراعي وتشتهر بمنتوجها من دبس الخرّوب الذي يصنّع من دون إضافة مادة السكّر إليه. وتعاونية دبل التي تمتلك مصنعاً حديثاً، تشتهر بمنتوجاتها من ماء الزهر وماء الورد. أما تعاونية الحلّوسيّة، فهي مميّزة بمنتوجاتها من الزيتون وربّ البندورة.
من ناحيتها تتميّز تعاونية حولا بصناعة الصابون. وتنفرد بين تعاونيات هذه الشبكة، تعاونية جبل عامل للنحّالين التي تضم نحو خمسمئة عضو يعملون على إنتاج العسل الطبيعي. وسادسة هذه التعاونيات، تعاونية عيترون، التي تتميّز بإنتاج الزعتر المعدّ للطعام، او المقطّر الذي يدخل زيته في تركيب عشرات الأدوية، وبشكل خاص تلك التي ترتبط بمعالجة مشاكل الجهاز التنفسي. كما تتجه التعاونية الأخيرة الى تقطير الزعرور الذي تنظف خلاصته الشرايين، وتقطير عشبة "قرص العنّة" الذي تشتهر خلاصته بمعالجة النفخة في البطن.
لكلّ من هذه التعاونيات الزراعية تاريخها الخاص وإنجازاتها المميزة. ولطالما كانت تعمل مستقلة واحدتها عن الأخرى، وتحت ضغط ظروف "عداوة الكار" في بعض الأحيان. وفكرة إنشاء شبكة تربط بينها تحققت بمبادرة من جمعية "جي في سي" الإيطالية التي قدّمت بعد حرب تموز 2006 مساعدات متفرقة لهذه الجمعيات، ولكلّ منها باستقلال عن الأخرى.
عملت الجمعية الايطالية على ربط الجمعيات الستّ في شبكة واحدة بهدف أن تساعد بعضها بعضاً في تسويق المنتجات الزراعية التي تنتجها كلّ منها... "جي في سي" التي تعرّفت اليها هذه التعاونيات من خلال "جمعية إنماء قدرات الريف"، حثّت المعنيين في التعاونيات ضمن الشبكة على التنسيق المشترك في ما بينها في مجال التسويق، ونجحت في مسعاها إلى حد بعيد، ما أثمر ولادة الشبكة السداسية.
والآن تتجه هذه الشبكة للحصول على شخصية معنوية ضمن إطار جمعيّة تعاونيّة متحدة تهدف الى تسويق الإنتاج الزراعي لأبناء الجنوب. وحتى الآن لا تمتلك هذه الجمعيات التعاونية إلا الشخصيات المعنوية المستقلّة لكلّ منها.
وتستمر "جي في سي" في رعاية الشبكة من خلال تحمّلها تكلفة كلّ من الستاندين اللذين يقامان في سوق الطيّب وفي سوق المنتوجات الزراعية بالقرب من سينما "ستراند" في الحمرا، ومن خلال تحمّلها أجرة العامل الذي يعمل على هذين "الستاندين" اللذين يعرضان منتوجات زراعية عضوية.
يتركّز الإنتاج الزراعي في منطقة عمل هذه التعاونيات في مناطق تعلو عن سطح البحر ستمائة متر وما فوق، ولا تتوفر فيها لا الأنهر ولا السواقي، ويتركّز إنتاجها بشكل عام على زراعة البقول (عدس، حمّص، فول...) وزراعة القمح، اي على الزراعات البعلية التي لا تحتاج الى الريّ. هذا بعيداً عن زراعة التبغ الأكثر إنتشاراً بين الزراعات الجنوبية.
والواقع أن الإنتاج الزراعي لتلك التعاونيات كان على الدوام عرضة للكساد، ولم يكن بوسع المزارعين منافسة المنتوجات الزراعية المشابهة للتي ينتجونها، والتي تغرق الأسواق مستوردة من سوريا وتركيا، خصوصاً بالنظر إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في لبنان عموماً مقارنة بتكلفته في سوريا وتركيا. ولذا كان جزء لا بأس به من منتوج هذه التعاونيات يتعرض للكساد حتى يفسد باعتبار أن محاولات تسويقه تظل محلية وتقتصر على أسواق القرى التي يجري إنتاجه فيها، من دون فرص لتصديره إلى المدن أو إلى الخارج بالطبع.
هذا الواقع المتعثّر أدّى الى تخلّي معظم المزارعين الجنوبيين عن زراعة هذا النوع من المزروعات مستعيضين عنه بزراعة التبغ أو ... بالهجرة إلى المدينة أو إلى الخارج إن أمكن.
وهنا دخلت الجمعية الإيطالية بمبادرتها في محاولة لتسويق إنتاج الجنوبيين الزراعي في العاصمة، وذلك إنطلاقاً من التركيز الإعلامي والتسويقي على أهمية هذا الإنتاج وسلامته وفوائده الصحية بالمقارنة مع ما يتمّ استيراده من منتوجات زراعية مشابهة. والمعروف أن الإنتاج الزراعي العضوي يتمتع بقيمة غذائية عالية من جهة، وبنسبة معدومة من مترسبات المواد الكيماوية المستخدمة عادة في الزراعات غير العضوية (وهي المواد التي قيل الكثير عن مضارها الصحية وأخطارها الجسيمة في لبنان ولا سيما في المدة الأخيرة). وطالما أن المنتوجات الزراعية الآتية من هذه التعاونيات هي ثمرة زراعة عضوية، فهذا يعني أنها ستكون الأفضل والأسلم والأكثر فائدة صحية، مع خلوّها من المخاطر الكيماوية.
عملية تسويق هذا الإنتاج الزراعي العضوي يترافق مع توجّه الى تحويل المزارعين الجنوبيين عموماً عن استخدام الأسمدة الكيميائية، والإستعاضة عنها بالأسمدة العضوية (فضلات الحيوانات اللبونة) في حالات الضرورة. كما يتم توجيه المزارعين نحو حسن اختيار نوعيّات الزراعات التي يقومون بها، فالشبكة التي تعمل في مجال التسويق تستطيع من خلال خبرتها في السوق إرشاد المزارعين الى الزراعات المطلوبة من قبل المستهلك (زراعة السمسم على سبيل المثال). وإلى كل ذلك يتم العمل على تصنيع المنتوجات الزراعية الفائضة، كتحويل البندورة الى رُبّ البندورة، وتحويل التين الى "معقود التين"، وتحويل القمح الى "فريك"... وسوى ذلك.
العلاقة بين المزارع والتعاونيات سهلة. فالمزارع هو الذي يحدد سعر مبيع منتجاته بما يناسبه، ويساهم بجزء بسيط من المردود في تمويل استمرارية التعاونية، او أنه يبيع منتجاته الى التعاونية مباشرة بشكل يمكّن هذه التعاونية من تسويق ما تشتريه من المزارع والاكتفاء بالقليل من الربح.
لكن هذه الصورة المتفائلة لا تغطي كامل المشهد في المنطقة، بل إن ما تحاول الزراعة العضوية والجمعية الإيطالية تحسينه، تأتي السياسة لتشويهه والعمل أحياناً على إعاقته.
فرئيس تعاونية عيترون الزراعية على سبيل المثال، حسين ابراهيم، يشكو مما يسمّيه "استبعاد البلدية للتعاونية التي يرأسها والتي تضم عشرات المزارعين من قرية عيترون والقرى المحيطة بها، وعزلها عن اللقاءات التي تجمعها مع الجمعيات المانحة". ويتحدّث كذلك عن "عملية حرمان الجمعية من كل التقديمات التي توفرها بعض الجمعيات الأوروبية المانحة ". وهو في انتقاداته لا يتوانى عن توجيه اللوم الى الجمعيات الأجنبية المانحة ذاتها "التي تفضل التعامل مع السلطات البلدية او مع القوى السياسية المهيمنة"، متهمًاً ما يطلق عليه تسمية "قوى الأمر الواقع" بأنها "تتقاسم تقديمات هذه الجمعيات".
والحقيقة أن الحديث عن مصير الهبات والمشاريع التي تقوم بها أو تقدمها الجمعيات الأوروبية من خلال السلطات البلدية، يدور على أكثر من لسان في المنطقة. ومن جملة ما يقال إن بلدية هنا حصلت على مئات قفران النحل، فوزّعتها على المؤيدين لـ"حزب الله" وحركة "أمل" دون بقية النحّالين. وبلدية هناك اقامت فيها احدى الجمعيات مصنعاً صغيراً ناجحاً، فأفلس بعد تحوّل إدارته من الجمعية الى البلدية، فجرى بيعه، وكانت المصادفة أنه عاد ناجحاً بعد البيع...
يتدهور الواقع الزراعي يوماً بعد يوم في لبنان عموماً وفي منطقة الجنوب اللبناني بشكل خاص. والأسباب كثيرة ومتنوعة. لذا فإن معظم الأيدي العاملة الزراعية هجرت القرى، وبات جزء كبير من العمل الزراعي يتم بمساعدة العمالة السورية التي تتجمع في ساحات القرى فارضة على المزارعين السعر الذي يناسبها كبدل عن أتعابها.
إلى ذلك فالمزارعون يهجرون العمل في الزراعة بسبب مردوديته الضعيفة عليهم في منطقة قاحلة تنقصها المياه وتعاني صعوبة في الوصول الى المياه الجوفية. تتركز الزراعة في الجنوب على التبغ، وهي زراعة مهددة يومياً بالتوقف في حال رفع الدعم الزراعي عنها. ومن هنا أهمية العمل على تنويع زراعات الجنوبيين وتصريف منتجاتهم. ومن جهة أخرى فإن مختلف الأفكار أو المشاريع الهادفة إلى دعم هذا القطاع، ولا سيما في منطقة الجنوب، لا بد أن تكون بالتعاون والتنسيق مع البلديات العاملة التي ينبغي عليها أن تحتضن ذلك.
ولكن معيار الاحتضان الذي تتبنّاه البلديات هو "التبعية السياسية لا التنمية الاقتصادية. وفي بعض الاحيان تجري إعاقة العمل إذا لم يكن يصب في دائرة المصلحة السياسية الضيقة للقوى السياسية المسيطرة"، كما يقول حسين ابراهيم، قبل أن يختم موضحًا: "اصبحت القوى المسيطرة سياسياً تجمع بين سيطرتها على وظائف الدولة وسيطرتها على تقديمات الجمعيات الأجنبية المانحة... وهذا يؤدي الى تعزيز هيمنتها على المجتمع أكثر فأكثر، وغالباً على حساب المشاريع الزراعية الطموحة".