تدجين الزعتر البري.. زراعة فرضتها ألغام الحقول

تدجين الزعتر البري.. زراعة فرضتها ألغام الحقول
تدجين الزعتر البري.. زراعة فرضتها ألغام الحقول: هذه السنة، تكمل التجربة الزراعية الرائدة التي خاضتها بلدتا زوطر الغربية ويحمر الجنوبيتين في مجال "تدجين الزعتر البري"، كما سميت التجربة حينذاك، عامها السادس بنجاح. وكأي تجربة جديدة، فريدة من نوعها، لم يتوقع متب

هذه السنة، تكمل التجربة الزراعية الرائدة التي خاضتها بلدتا زوطر الغربية ويحمر الجنوبيتين في مجال "تدجين الزعتر البري"، كما سميت التجربة حينذاك، عامها السادس بنجاح. وكأي تجربة جديدة، فريدة من نوعها، لم يتوقع متبنّوها وداعموها بداية، أن تحقق ما وصلت إليه من نجاح، أو حتى أن تستمر، وتصبح زراعة أساسية كاملة الإنتاج، لا غنى عنها، في مجتمع المنطقة.
انطلقت فكرة نقل نبتة الزعتر من البرية إلى الحقول الملاصقة للمنازل الآهلة، بعد أن وضعت حرب تموز 2006 أوزارها. واكتشف أهالي المنطقة حين عودتهم من النزوح القسري مدة 33 يوما، أن براريهم تعبّدت بالقنابل العنقودية، ولم يعد بإمكانهم الخروج إليها لقطاف الزعتر أو لأي غرض آخر. والمعروف أن مجتمعي زوطر الغربية ويحمر زراعيان بالكامل، حيث يعتمد حوالي تسعين بالمئة من أفرادهما على الزراعة، وما تطرحه البرية من مواسم. لذلك كان لا بد من خطط بديلة لتعويض المزارعين خسارات مواسمهم وأرزاقهم. وهنا كان الدور الفاعل للمنظمات الإنسانية العالمية التي نشطت في الجنوب بعد حرب تموز، لمساعدة سكانه بخاصة المزارعين منهم، على مسح آثار الحرب والتغلب على نتائجها السيئة. فقامت مؤسسة "أي سي يو" الإيطالية المدعومة من الإتحاد الأوروبي، باختيار حوالي عشرين مزارعا من كلا البلدتين، تدمرت منازلهم أثناء العدوان، لتنفيذ المشروع، وتحقيق التجربة، وقدمت لهم الشتول وتمديدات الري وخزانات المياه والمضخات والسماد العضوي. وانطلقت التجربة بسرعة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، وأصبح تدجين الزعتر البري خاصية يتفرد بها مزارعو هاتين البلدتين عن غيرهم من مزارعي المنطقة.
وعلى مدى ست سنوات استطاعت التجربة التي انطلقت بكثير من الحذر ومخاوف الفشل التي ترافق أي تجربة جديدة، أن تحقق نصرا بطعم الصبر وإرادة الحياة، يضاف إلى سجل الإنتصارات الأهلية لبلدات المنطقة التي عانت الإحتلال والإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وتحولت زراعة الزعتر من زراعة بديلة أو دخيلة إلى زراعة أصيلة منتجة.
أراضي البلدتين ما زالت محاصرة حتى الآن بالقنابل العنقودية، رغم الجهود الجبارة التي تبذلها المنظمات الإنسانية لنزع الألغام بالتعاون مع الجيش اللبناني في هذا المجال. ويوما عن يوم، ينكشف مزيد من الحقول المزروعة بالألغام والقنابل العنقودية، كانت خارج الحسابات. هذا الوضع كان له الأثر السلبي على نتاج الفلاحين، وما زال. لذلك، توسّعت زراعة الزعتر في البلدتين، ودخلت إلى كل بيت، لتنضم إلى قائمة الأساليب الإنتاجية. وكي لا تبقى تكلفة قطاف الزعتر من البرية تساوي فقدان حياة شخص ما أو إعاقته، صار المزارعون ينقلون شتول الزعتر من البراري النظيفة، ويغرسونها في مساكب مرتبة ومنظمة في الحقول الآمنة القريبة من منازلهم.
يؤكد المزارعون في البلدتين أن نكهة زعترهم المدجن، لا تختلف عن نكهة الزعتر البري، وربما هو أكثر جودة وألذ طعما منه، نظرا للتدليل والعناية الخاصة التي يحظى بها على مدار السنة. وسعر كيلو الزعتر لديهم أعلى من سعر الزعتر العادي. كما أن الشتول المدجنة تستطيع تجديد أوراقها لتطرح موسمين متتالين في السنة الواحدة.
اليوم، وبعد مرور ست سنوات على التجربة الطارئة على ذاكرة المزارع الجنوبي، صار بالإمكان القول إن الزعتر لم يعد نباتا موسميا أو بريا فقط، يطل مرة واحدة في السنة ويختفي حتى مجيء السنة التالية، إنما أصبح نبتة بيتية مثله مثل النعناع والبقدونس والجرجير التي دجّنها المزارعون من قبل، وصارت تزرع شتوله في الأحواض وعلى الشرفات. كما أصبحت زراعة الزعتر، زراعة مساعدة تؤمن ما نسبته 40 في المئة من مداخيل عدد من العائلات في البلدتين، وهي زراعة خفيفة أقل كلفة ومشقة من زراعات أخرى اعتاد عليها مزارعو المنطقة، كالتبغ مثلا. رغم ذلك، يرفض زارعوها تسميتها بالزراعة البديلة ويطلقون عليها اسم زراعة مساعدة، لأن تصريفها غير مدعوم من أي جهة رسمية، ويعتمد على جهد المزارع الفردي، المسكون بهاجس الكساد الذي يتربص بكثير من نتاج المواسم غير المدعومة مثل القمح والزيتون والزيت. لذلك، نجد مزارعي يحمر وزوطر الغربية، ما زالوا يعتمدون بشكل أساسي في حياتهم على زراعة التبغ، رغم كل ما يحيط بها من مشاق ومشاكل لا تنتهي، والسبب أن عبء تصريف نتاجها، يرمى على عاتق شركة "الريجي" لا أكثر.

المستقبل