مواسم الزيت الأخضر .. ارتفاعٌ في الجودة وتراجع في التصريف!

مواسم الزيت الأخضر .. ارتفاعٌ في الجودة وتراجع في التصريف!
مواسم الزيت الأخضر .. ارتفاعٌ في الجودة وتراجع في التصريف! : اعتبر وزير الزراعة حسين الحاج حسن في حديث إلى «البناء» أن «الزيتون يجب أن يكون في لبنان خياراً استراتيجياً، إذ إنه الزراعة البديلة الأنجع، كون أراضينا تتجه نحو التصحّر، والزيتون لا يحتاج كثيراً إلى ا

اعتبر وزير الزراعة حسين الحاج حسن في حديث إلى «البناء» أن «الزيتون يجب أن يكون في لبنان خياراً استراتيجياً، إذ إنه الزراعة البديلة الأنجع، كون أراضينا تتجه نحو التصحّر، والزيتون لا يحتاج كثيراً إلى الماء، ولأن سعر الزيت عالمياً لا يستهان به، والطلب العالمي موجود وهو أعلى من العرض، ولأن الزيت اللبناني جيد، ناهيك عن أن أمراضاً قليلة ويمكن مكافحتها تصيب شجرة الزيتون».
واعتبر أيضاً أن الزراعات البديلة ليست مسألة «مقنعة»، «لأن المطلوب هو سياسات بديلة، فالحكومات السابقة وأصحاب العقول الاقتصادية ـ تلامذة البنك الدولي والمحافظين الجدد ـ هم سبب تدمير الاقتصاد اللبناني، والدَين العام وسبب كل المآسي التي يعيشها لبنان ويريدوننا أن نسكت.. لكننا لن نسكت».

أضحت زراعة الزيتون في البقاع الغربي، مسألة إيمان وأمل أكثر منها مسألة تسليم بالواقع، خصوصاً في القرى الواقعة جنوب سدّ القرعون، وهي: لبّايَا، سُحمر، يُحمر، زلاّيَا، وقِليَا. حيث يحتلّ الزيتون مرتبةً رئيسية بين زراعات المنطقة التي يأبى مزارعوها أن يستسلموا لفكرة «خيبة الأمل»، على الرغم من المآسي التي حلّت بهم، خصوصاً خلال موسم هذه السنة، نتيجة إهمال الدولة وتواضع إمكانيات المزارع وموارده، وغياب استراتيجية رسمية تستوعب هذه الأزمات.
وتبرز اليوم أزمة تصريف المحصول، الذي يواجه محاربة «الأجنبي» عبر عمليات استيراد الزيت غير المنضبطة من الخارج! وهكذا يبقى الزيت اللبناني أسير القرارات الحكومية «المتردّدة» لجهة دعم القطاع الزراعي في البلد.
__________________________________________________________________________

تشير المعطيات إلى أن مساحة لبنان المزروعة هذا العام بلغت حوالى 240 ألف هكتار، وربع هذه المساحة مزروعة بالزيتون الذي يشغل بين 60 أو 70 هكتاراً وفق ما أدلى به الوزير الحاج حسن إلى «البناء» وقال: «لدينا في لبنان حوالى 14مليون شجرة زيتون تنتج سنوياً ما يقارب 350 ألف طن من الزيتون، أي 70 الف طنّ من الزيت».


انتكاسة
بعد الانتكاسات المتلاحقة التي تعرّض لها مزارعو اللوز والعنب في البقاع الغربي على مدى السنوات الأربع الماضية، وفي ظلّ غياب التعويضات واكتفاء المعنييّن بـ«الوعود»، لم يجد هؤلاء بديلاً عن اقتلاع بساتينهم وكرومهم، واستبدالها بعشرات الآلاف من أغراس الزيتون، في محاولة منهم للحصول على زراعة تقاوم عوامل التغيّر المناخي من جهة، وتردع احتكار التجار لمواسمهم من جهة أخرى.
هكذا توسّعت زراعة الزيتون في البقاع الغربي وجروده. ومع انطلاق موسم القطاف الذي شارف على نهايته، فإن مشهد تجمهر عشرات المزارعين أمام معاصر الزيتون منذ الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل أصبح مألوفاً، تزامناً مع احتلال صناديق وأكياس الزيتون البلدي، بنوعيه الأخضر والأسود، فغزى الأسواق التجارية والشعبية.
واستبشر مزارعو الزيتون في المنطقة خيراً بالموسم الجيد، ويقول المزارع أبوشادي (من بلدة قليا) في لقاء مع «البناء»: «مع أن الأمطار هطلت باكراً هذا العام، إلا أن ذلك لم يؤثّر في جودة حبات الزيتون. على الرغم من انسحاب جودة الموسم على إنتاج الزيت».
ويشرح أن «كلّ 5 أو 6 كيلوغرامات من الزيتون تعطي كيلوغراماً واحداً من الزيت. أما هذا العام، فالكمية نفسها تنتج عن 4 أو 5 كيلوغرامات من الزيتون».

موسم «عجيب».. والأسعار متدنية
بدوره، وصف محمد مزاحم (من بلدة يحمر) صاحب معصرة يحمر الحديثة لعصر الزيتون، والتي يأتي إليها الزيتون من قرى البقاع الغربي التي شهدت «ثورة» في هذه الزراعة خلال السنوات الـ15 الأخيرة، واصفاً إنتاج الموسم هذا العام بـ«العجيب».
وأمام الوفرة «العجيبة» في الموسم هذا العام، يتخوف المزارعون وأصحاب المعاصر من تدني تصريف هذا الإنتاج نتيجة أسباب عديدة، أهمها «غياب الحكومة ووزاراتها المعنية في متابعة معاناتهم وحاجياتهم حيال الدعم المفترض أن يكون قائماً، ليحفّز المزارعين في أرضهم وزراعتهم. وافتقارهم إلى الإرشاد من قبل مهندسين زراعيين، وغياب التعاونيات التي بإمكانها توفير أسواق تصريفية».
ويلفت المزارع أبوشادي إلى حال من الخيبة تسيطر على مزارعي المنطقة نتيجة «إقدام الجيش اللبناني على إفادة كلّ المناطق بشراء إنتاجها من زيت الزيتون، وتحديداً من الجنوب وحاصبيا»، لافتين إلى أن انخفاض «تسعيرة» تنكة الزيت إلى أقل من مئة ألف ليرة، فيما ترتفع كلفتها أكثر من ذلك بكثير، وتتجاوز هذا السعر بمرة ونصف.

مواصفات مميزة
وكان لخبير الزراعة المهندس يسايي هافاتيان رأي متشائم، إذ لفت في لقاء مع «البناء» إلى أن قطاع الزيتون في المنطقة أضحى «مأساوياً، رغم الإنتاج الجيد هذا العام، الذي سيتكدس كالأعوام الماضية، حيث لا تصريف إن لم تقدم الدولة على شرائه أو تصديره إلى الخارج». ورأى أنه على الحكومة «ممارسة دورها في حماية القطاع من خلال تنفيذ خطوات جدية، أهمها شراء زيت الزيتون من المزارعين كخطوة دعم وبسعر لا يقل عن مئة دولار للتنكة الواحدة، عكس ما أُخذ من قرارٍ مسيء بحق المزارعين في التسعيرة التي لم تف بغرض كلفتها، فضلاً عن وقف استيراد الزيوت من الخارج، وبيعها على أنها بلدية».
وخلص هافاتيان إلى أنه يترتب على وزارة الزراعة «الاهتمام بتكثيف استصلاح الأراضي، وتوزيع نصوب الزيتون المؤصلة على المزارعين، وإرشادهم إلى الوسائل التي تزيد من الإنتاجية، وتحسّن النوعية وتساعد على تصريف المحاصيل». ولفت إلى «أهمية نوعية الزيتون في المنطقة، وجودته (نسبة الحموضة لا تتعدى 1 %)، علماً أن مواصفات زيتون البقاع الغربي فريدة وغير موجودة في مناطق أخرى، عدا خلوّه من الأمراض، وقلة نسبة الأسيد فيه».
كما أوضح أن الزيتون يتمتع بقدرة على «تحمّل الثلوج، التي تكسبه نسبة زيت أكبر». ويضيف إن «بعض المزارعين يدركون جيداً الموعد المناسب للقطف، لكنهم يقدمون عليه مبكراً مرغمين، بسبب الضائقة الاقتصادية والمعيشية وحاجتهم إلى السيولة المادية، إضافة إلى ندرة العمال السوريين وقرب موعد رحيلهم قبل فترة الأعياد، وبالتالي ارتفاع كلفة قطف حبات الزيتون التي وصلت أخيراً متجاوزةً الـ500ليرة للكيلو غرام الواحد». وتعدّ زراعة الزيتون من الزراعات القليلة التي يمتهنها صغار المزارعين، من دون أيّ سند أو عون من الدولة.

إنتاج الزيتون
وتتوزّع كروم الزيتون في المناطق اللبنانية، 40 % في الشمال، و39 % في الجنوب، و15 % في جبل لبنان، وحوالى 6 % في وادي البقاع. وتقدّر نسبة كروم الزيتون التي لا يتعدّى عمرها 10سنوات بـ16 %، وتلك التي لا يقلّ عمرها عن خمسين سنة بـ36 %. ومن المعروف أن القدرة الإنتاجية لشجرة الزيتون تبدأ بالانخفاض بعد عمر السبعين. تختلف محاصيل أشجار الزيتون بشكل كبير من سنة إلى أخرى وهذا أمرٌ شائعٌ بالنسبة لأشجار الزيتون.
وينطبق ذلك بشكل خاص على الكروم غير المرويّة أو التي تعتمد فقط على الأمطار، كما هو حال 98 % من كروم الزيتون في لبنان. ما يزيد من أثر التقلّبات المناخية الحادّة على الإنتاج. يختلف إنتاج الزيتون في لبنان باختلاف الظروف المناخية وهو يتراوح بين 30 ألف طن على الأقل كما في العام 1998 و190 ألف طن (في العام2000) على الأكثر، وهذا العام2011 حوالى 350 ألف طن. من بين الوسائل التي من شأنها أن تخفّف من حدّة التقلّبات في الإنتاج: الريّ، وطرق التسميد والتقليم المناسبة، وتقنيات القطاف الجيدة. إن أنواع الزيتون المزروعة في لبنان هي محلية ولا تميّز حقاً عن بعضها البعض، بسبب غياب الأسس العلمية التي من شأنها أن تحدّد الفروقات بينها. وغالباً ما نجد نوعيات عديدة مزروعة في كرم واحد.




معاصر الزيتون
يمكن تصنيف المعاصر اللبنانية في مجموعتين: المعاصر التقليدية والمعاصر الأوتوماتيكية أو نصف الأوتوماتيكية. وكما يبيّن الجدول أدناه، لا تزال غالبية المعاصر في لبنان (80 %) تعتمد على التقنيات التقليدية.
وتعتمد المعاصر التقليدية على أحجارها لطحن ثمار الزيتون وإنتاج عجينة تعصر لاحقاً بمعصرة هيدروليكيّة عمودية تعمل على الطاقة الكهربائية. إن معايير زيت الزيتون اللبناني المعدّ للتصدير هي المعايير الدولية التي حدّدها المجلس الدولي لزيت الزيتون (IOOC) ، الذي ينتمي إليه لبنان. أما المعايير اللبنانية فيمكن الحصول عليها من مؤسّسة المقاييس والمواصفات اللبنانية - ليبنور.
ويمكن تحويل الزيتون إلى منتوجات عدّة، منها زيتون المائدة، زيت الزيتون البكر الممتاز، زيت الزيتون البكر، زيت الزيتون العادي والمكرّر، الجفت. تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد في لبنان أي مصنع لاستخراج الزيت من الجفت، باستثناء صناعة الصابون البلدي.
ويتميّز زيت الزيتون اللبناني، أيّاً كان نوعه، بنكهته المعتدلة التي تبدو قوية وتخفّ ما إن تدخل في الفم تاركة وراءها أحياناً مذاقاً أخيراً حارّاً.

تأثيـر الجليـد علـى زراعـة البطاطـا

يتخوف المزارعون في البقاع الغربي وراشيا، من الأضرار التي قد تخلفها موجات الجليد المتلاحقة، والناجمة عن تدني درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، على موسم زراعة البطاطا «الباكورية»، لجهة التأخير القسري في زراعة الموسم الذي يبدأ منتصف شباط حتى أواخر آذار.
ويوضح الخبير الزراعي بلال الزغبي أن عدم التقيد بالفترة المذكورة، يتسبب بانخفاض الإنتاجية، وانتشار «الجعفير» وهو نبات طفيلي، وسط الحقول المزروعة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تأخر نمو النبتة، إذا لم يكن مواتها وهلاكها . كما تؤدي «الشلهوبة» أي الطقس الحار إلى يباس النبتة، وتقليص إنتاجيتها. وتكون نتيجة ذلك عدم كفاية السوق المحلية من البطاطا، وبالتالي ارتفاع أسعاره، لا سيما أن استيراد البطاطا من مصر والسعودية، يبدأ بعد قطاف الموسم الصيفي وتصريفه في السوق المحلية أو تصديره إلى الدول العربية. ويقول الزغبي: «إن المساحات التي تم زرعها حتى اليوم هي مساحات قليلة جدا، قياساً بالمساحة التي تزرع سنويا، وتتراوح بين 15 و17 ألف دونم»، معرباً عن تخوفه «من تدني الإنتاجية إلى النصف أو الثلثين من أصل الإنتاجية المعهودة سنوياً، وتتراوح بين 40 و45 ألف طن من البطاطا». ويؤكد أن «موسم البطاطا الباكورية في عكار قد يتضرر أكثر من موسم البقاع، لأن موسم عكار يبدأ مطلع الشهر الأول من السنة، وقد فاجأته موجات الجليد والصقيع».