المن القطني يضرب موسم الصبار

للعام الثاني على التوالي أصاب مرض «المن القطني» أو «الحشرة القرمزية» موسم الصبار في منطقة النبطية، لا ...

للعام الثاني على التوالي أصاب مرض «المن القطني» أو «الحشرة القرمزية» موسم الصبار في منطقة النبطية، لا سيما في بلدة «عبا» المشهورة بهذه الزراعة، مما جعل الثمار تصفرّ وتذوي قبل أوانها، ويميل لونها إلى الأصفر الفاتح الذي يشبه لون الموز الناضج بدلاً من اللون الوردي الطبيعي لنضوج الثمرة. منع هذا الأمر معظم المزارعين من قطاف مواسمهم، لاعتقادهم بخطورة هذا المرض على صحتهم وعلى صحة المشترين منه عند تناول الثمار المذكورة، في حين يقلل الخبراء الزراعيون من خطورة هذا المرض وانعكاسه سلباً على سلامة المواطنين، الذين بإمكانهم تناول ثمار الصبار وبيعها بشكل طبيعي.
تم زراعة أشجار الصبار بكثافة في «عبا» منذ عقود كثيرة، بهدف تسييج الكروم المثمرة والحقول الزراعية وحماية ثمارها من الحيوانات البرية والعابثين والمتطفلين من خلال أشواكها المدببة كالإبر، حيث قامت بواجبها المطلوب على أحسن ما يرام، وكانت بديلاً من السياجات الحديدية الشائكة التي لم تكن موجودة في ذلك الحين، وإذا وجدت فإنها كانت باهضة الثمن ولا يستعملها سوى الميسورين من المزارعين والأهالي. أما الآن فقد تحولت شجرة الصبار إلى ملجأ لمئات العائلات من أهالي البلدة إلى جانب شجرة الزيتون، نظراً لوفرة إنتاجهما وانخفاض كلفتهما وسهولة العمل فيهما مقارنة مع زراعة التبغ، التي بالرغم من أسعارها المدعومة من قبل الدولة، لكنها زراعة صعبة وتتطلب العمل على مدار السنة وإنتاجها لا يوازي كلفة العمل فيها، بينما يعمل المزارعون في موسم الصبار والزيتون أثناء موسم الإنتاج فقط.

المرض كناية عن حشرة
وكانت بلدية عبا قد أخذت على عاتقها الاهتمام بمكافحة المرض الذي أصاب أشجار الصبار في البلدة، كما يقول رئيس البلدية إبراهيم قاووق، حيث أرسلت صوراً وعينات منه إلى وزارة الزراعة التي بدورها أرسلت المهندس الزراعي زاهر أيوب الذي قام بمعاينة نخبة من الأشجار المريضة، ونتيجة لذلك وجد أن هذا المرض ليس خطيراً جداً، وهو عبارة عن حشرة ليست مضرة تشبه دودة القز، وتفرز مادة من القطن على غلاف الثمرة وتحتها مادة قرمزية تشبه لون الدم، لذلك سميت بالحشرة القرمزية.
وأشار قاووق إلى أن أيوب نظّم حملة إرشادية للمزراعين تضمنت إرشادات عن كيفية مكافحة المرض من خلال رشّه بالمبيد الزراعي اللازم الذي أرسلته وزارة الزراعة إلى البلدية في وقتٍ لاحق، ووزعته على المزارعين لرش الأشجار به، لافتاً إلى أن أيوب نصح خلال الندوة المزارعين برش الأشجار بعد الانتهاء من قطاف الموسم وليس قبله، لكي يستفيدوا من أكبر قدر من المحصول.
وأعرب قاووق عن أسفه لمرض موسم الصبار للعام الثاني على التوالي، مما حرم الأهالي من موارد مادية لا يستهان بها.

في غياب الدبابير
تتغذى هذه الحشرة على ألواح الصبّار السميكة، وتبدأ في امتصاص عصارتها، مما يؤدي إلى جفافها واصفرارها وتلفها وقد تصل إلى إتلاف الشجرة كلياً، وفق ما يقوله المهندس الزراعي حسنين قانصو، الذي أوضح أن سبب ظهور هذه الحشرة يعود إلى عوامل وأسباب عديدة منها: فقدان العدو الطبيعي لها أو تقلّص عدده، وهي من عائلة الدبابير، لكن حجمها أصغر بكثير، لافتاً إلى أن استخدام الأدوية اللازمة مع الزيت الصيفي المعدني الفعال لمكافحة هذه الحشرة لم يعطِ النتائج المطلوبة خلال العام الفائت، بسبب الأخطاء التي ارتكبها المزارعون أثناء الاستعمال، في غياب فريق الاختصاصيين الذين كان يجب مواكبتهم.
وعن الموسم الحالي أشار قانصو إلى أنه كان من المفترض البدء بمكافحة الحشرة القرمزية قبل نضوج ثمار الصبّار حفاظاً على الموسم، وذلك من خلال طريقة الرش المصحوبة بضغط الماء القوي، للتخلص من أكبر قدر ممكن من الحشرات، بعدها يعاد الرش بطريقة التبخير بعد حوالي أسبوعين.
ويوضح رئيس مصلحة الزراعة في النبطية المهندس هادي مكي أن أسباب مرض الحشرة القرمزية لا تزال غير معروفة، وقد تكون نتيجة لعوامل مناخية أو بيئية أو وبائية، وطلب من المزارعين مراجعة المصلحة بخصوص هذه المشكلة لتلقي الإرشادات المطلوبة، لافتاً إلى أن المصلحة وزعت كميات من دواء «الزيت المعدني Damoil» المقاوم لهذا المرض على البلديات التي بدورها وزعتها على مزارعي الصبار العام الحالي لرش مواسمهم بواسطتها.
وأشار مكي إلى أن هذه الحشرة ليست جديدة وهي موجودة منذ زمن وغير سامة، وليس لها أي تأثير سلبي على صحة المستهلكين لثمرة الصبار، وقد طلبنا من مصلحة الأبحاث في وزارة الزراعة إرسال مختصين لمعاينة المرض، والعمل على معالجته، وكلما كان رش الثمار في وقتٍ مبكر في شهري شباط أو آذار كلما كانت النتائج أفضل، ونصح المزارعين باستئصال أو حرق الصبار اليابس بسبب المرض لكي تتم إعادة معالجته بالزيت المعدني بعد تفريخه مجدداً، كما أن من بين أسباب تفشي المرض هو صعوبة الوصول إلى المناطق الجغرافية الموجودة فيها أشجار الصبار بسبب وعورة المسالك المؤدية إليها.

«البراوي» كبديل عن التبغ
تحتل زراعة الصبار التي ورثها أهالي عبا عن أجدادهم وآبائهم مساحات واسعة من أراضي البلدة البعلية والجبلية الصخرية بحسب المزارع اسماعيل ترحيني، مما جعل من الصبار «العباوي»، لا سيما «البراوي» الذي يعيش في البرية صباراً مميزاً بنكهته الطيبة وطعمه اللذيذ، لافتاً إلى أنه من أسباب تفوق شجرة الصبار على الزراعات الأخرى.
اعتماد مزارعو بلدة عبا اعتماداً كلياً على زراعة الصبار الذي بات إنتاجه منقذاً لهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها القطاع الزراعي إلى جانب زراعة الزيتون، وفق المزارع علي قاووق الذي أشار إلى تراجع زراعة التبغ التي كانت تعتبر الزراعة الأساسية لهم على مدار السنين، لكنها وصلت حتى الآن إلى حد الانقراض بعد أن تفوقت عليها زراعة الصبار والزيتون لإنتاجهما الوافر وقلة كلفتهما المادية. متمنياً أن يطول عمر هذه الشجرة ودوام إنتاجها، لأنها شجرة الخير والبركة كأشجار التين والزيتون.
ويقدر المزارع محمد علي ترحيني إنتاج البلدة من الصبار بمئات الأطنان التي يبلغ ثمنها عشرات الآلاف من الدولارات، بحيث يبلغ متوسط دخل كل مزارع حوالي خمسة آلاف دولار أميركي، ويباع الإنتاج في الأسواق المحلية وأسواق الجملة ويتراوح سعر كل مئة حبة منه بين سبعة وعشرة آلاف ليرة في البلدة، بينما تباع بعشرين ألف ليرة في الأسواق المحلية، كما تباع في الجملة في أسواق النبطية وصيدا وبيروت ومختلف المناطق اللبنانية الأخرى.

عدنان طباجة - جريدة السفير