نبتة «إكليل الجبل» الدائمة الخضرة والإنتاج

نبتة «إكليل الجبل» الدائمة الخضرة والإنتاج
ثروات لبنان الطبيعية أكبر بما لا يقاس من نفطه وغازه المكتشفين حديثاً، غير أن البترول ارتبط بالثروة ...

ثروات لبنان الطبيعية أكبر بما لا يقاس من نفطه وغازه المكتشفين حديثاً، غير أن البترول ارتبط بالثروة والرفاه، ومن البديهي أن يكون موضع اهتمام اللبنانيين ومحط نزاع بين المسؤولين قبل استخراجه، وقد يظن البعض أن ثمة مبالغة في تقدير ثروة لبنان الماثلة في ما تختزن أحراجه من نباتات وأزهار عطرية وطبية، ومنها «إكليل الجبل»، النبتة التي تتصدر البيوت والقصور، حتى فرضت نفسها في تصميم الحدائق، كونها دائمة الخضرة تبعث رائحة عطرية من أوراقها ومن كوكبة أزهارها الصغيرة المنثورة كنجوم صغيرة على «سماء» خضراء.
من المفارقات الغريبة أن ليس ثمة دراسات علمية وافية حول «إكليل الجبل» في لبنان والمنطقة العربية، إلا أن ثمة فيضاً من المعلومات حول فوائدها الصحية، وطرق استخدامها في مجال الاستطباب، فضلا عن أنها تحتل حيزاً مهماً في مجال تحضير الاطعمة كنوع من المنكهات الطبيعية. لكن أحداً لم يعمد إلى درساتها لأسباب يرى الباحث عبد الناصر المصري، عضو اللجنة الفنية العليا لتربية النحل في لبنان، أن «الأمر ربما يكون ناجماً عن إشكالية صعبة متصلة بأسماء الأزهار والنباتات»، لافتاً إلى أنه تصدى لهذه الاشكالية في مؤلفه المرجع «دليل أزهار لبنان البرية العاسلة».
هذا الأمر يفترض توحيد الدراسات وصولا إلى الاتفاق على تسمية تلغي الالتباس بين أنواع الأزهار والنباتات البرية، وتكون مرجعاً وحيداً وموضع إجماع المراكز البحثية في العالم العربي. وحسب المصري، فإن «تشابه بعض أنواع الأزهار والنباتات شكلا ورائحة، يتطلب دراسات علمية وميدانية متأنية»، ويشير إلى أنه «عثر على أنواع من الزعتر (الصعتر) البري غير معروفة في شمال لبنان وتلال بلدة البنيه قضاء عاليه»، لا بل وجد «أعشابا برية لها رائحة الصعتر تماماً».


تعدد الأسماء

ما يبقي «إكليل الجبل» في دائرة الالتباس وفرة الاسماء التي يعرف بها، ومنها: حصا البان، الحوران، حشيشة العرب، شاهي العرب، وإكليل النفساء، أما الاسم العلمي، فهو Ros marinus oficinalis ويعرف بالإنكليزية باسم Rosemary.
لكن من المؤكد أن «إكليل الجبل» نبتة متوسطية، ومعروفة في كافة أنحاء العالم، ولبنان أحد مواطنها. لكن ثمة أنواعاً وافدة إلينا، ربما هي التي تسببت في إبقاء بعض أنواعه في دائرة التخمين، فنبتة «إكليل الجبل» البرية الموجودة بوفرة في أحراج وغابات لبنان، هي أقرب ما تكون إلى شجيرة لا يتعدى ارتفاعها المتر أو أكثر قليلا، أما الوافد منها فيتدلى على الجدران ويتمدد على الأرض ولا يمكن أن ينمو صعوداً، وما يثير الاهتمام أن كلا النوعين يتماثل زهراً ورائحة وورقاً إبرياً صغيراً، متوافراً بكثرة في محال العطارين.
وحسب الخبيرة في مجال تصميم الحدائق، المهندسة جنان أبو سعيد، فإن «إكليل الجبل نبات دائم الخضرة ويضفي جمالا استثنائيا وهو سريع الإنبات والنمو»، ولفتت إلى أن «إكليل الجبل المتدلي يستخدم في تنسيق الحدائق، أما الذي ينمو كشجيرات فيستخدم كنوع من الأسيجة الطبيعية من خلال تقليمه وتشكيله وفق رؤية هندسية معينة».
وأشارت أبو سعيد إلى أن «إكليل الجبل يمكن إنباته بسهولة من خلال الـ Cutting أي أن نأخذ غصنا صغيراً (كلخة) ونضعه في الماء إلى أن تظهر جذوره أو غرسه في الأرض مباشرة، فضلا عن أن الاغراس متوافرة بكثرة في سوق الاغراس ونباتات الزينة»، ولفتت إلى «اننا نشهد إقبالا غير معهود على إكليل الجبل منذ سنوات عدة نظراً لفوائده الصحية وجماله ورائحته المميزة»، وأكدت أن «إكليل الجبل مقاوم للآفات الزراعية والحشرات فهو ليس بحاجة إلى مبيدات ولا إلى أسمدة».


الاستخدامات التاريخية

عرف الإنسان «إكليل الجبل» منذ ألفي سنة، ففي اليونان القديمة كان التلامذة ينثرون أغصانه وأوراقه على رؤوسهم لتنشيط الذاكرة، والطريف في الأمر أن هذه العادة ما تزال مستمرة إلى اليوم حيث يتم حرق أغصان «إكليل الجبل» في مساكن الطلاب في اليونان قبيل إجراء الامتحانات. أما في ألماينا فكانت العروس تتزين بـ«إكليل الجبل» في الاعراس لجلب الحظ السعيد والخصوبة.
وفي دراسات أجراها متخصصون في مجال الحضارة الفرعونية، تبين أن من بين أسرار التحنيط لدى المصريين القدامى أنهم كانوا يستخدمون عسل «إكليل الجبل» في تحنيط موتاهم. وإذا ما تتبعنا أهمية هذه النبتة نجد أن بعض الدراسات الحديثة أكدت احتواء «إكليل الجبل» مواد مضادة للأكسدة وكان يستعمل كحافظ للحوم من التعفن حيث يضاف اليها لمنع التأكسد والتلف.
أما الفرنسيون فكانوا يعلقون «إكليل الجبل» في غرف التمريض وفي المستشفيات كنوع من البخور الشافي. وأثناء الحرب العالمية الثانية كانت الممرضات في فرنسا يحرقن خليطاً من أوراق إكليل الجبل وثمار العرعر في المستشفيات من أجل تطهيرها.
ولقد أدخل المستعمرون نبات إكليل الجبل إلى الولايات المتحدة، وأوصى أحد المراجع الطبية المسمى The American New Dispensary بأوراق وأزهار العشب وماء هنغاريا لعلاج المشاكل النفسية ومشاكل الحيض والسكتات الدماغية والشلل والدوخة.


معتقدات وفوائد

تعتبر نبتة «إكليل الجبل» نبتة معمرة. وهي تمتد وتتمدد بعد زراعتها وتنمو بشكل مطرد. وتزخر المكتبات بمواد كثيرة عن منافعه، فهو يحتوي على زيت طيار عطري الرائحة، ويتكون الزيت من عدة مركبات أهمها سينول Cineole، كافور وبورنيول. كما يحتوي النبات على مواد عفصية ومواد صابونية وأحماض عضوية.
وقد استخدم القدماء نبات إكليل الجبل كعلاج لأمراض الرأس والتنفس والهضم. وقد استخدم أطباء الصين إكليل الجبل مع الزنجبيل كخليط لعلاج الصداع وعسر الهضم والأرق والملاريا.
واستخدم في القرون الوسطى كتعويذه للحب. فإذا نقر شخص شخصا آخر بأغصان إكليل الجبل التي تحتوي على زهرة متفتحة، فإنه من المفترض أن يقع الإثنان في الحب. كما تم الاعتقاد بأنه «يجلب الحظ».
وكان «إكليل الجبل» يوضع تحت الوسائد حيث كانوا يعتقدون أنه يطرد الأحلام السيئة. وكان يزرع حول المنازل بكثرة من أجل دفع شرور السحرة.
ويقول الخبير في مجال التداوي بالأعشاب طارق أبو الحسن إن «إكليل الجبل ينشط الدورة الدموية والجهاز الهضمي والعصبي، ويستخدم لعلاج الصداع وعسر الهضم والاكتئاب، كما يمكن أن يستعمل كغرغرة لرائحة الفم الكريهة». ويضيف «استخدم نبات إكليل الجبل كحافظ للحوم من التعفن حيث أنه يحتوي على زيوت طيارة مضادة للأكسدة. وتأثير إكليل الجبل الحافظ يعمل على منع تسمم الطعام الذي تحمله معك أثناء نزهاتك».


التأكيد على البري

في هذا السياق، تقوم «جمعية اليد الخضراء» حالياً بأبحاث ميدانية ومخبرية على «إكليل الجبل» من ضمن مشروع متكامل يستهدف النباتات العطرية والطبية في لبنان، ويقول رئيس الجمعية زاهر رضوان «اننا نعمل على إنتاج إكليل الجبل لإدخاله في مشغلنا الحرفي في مدينة عاليه، ونعمل من خلاله لإقامة عدة خطوط إنتاج حرفية تستخدم الاعشاب المحصودة بشكل مستدام (بمعنى عدم اقتلاعها من الجذور ومراعاة طرق حصادها والحفاظ عليها) ومن خطوط الانتاج هذه، هناك خط خاص بإنتاج خلطات من أهم مكوناتها اكليل الجبل لاستخدامها كمطيبات فضلا عن منافعها في اراحة الاعصاب ومواجهة الإرهاق».
ورفض رضوان الحديث عن وصفات طبية، منوهاً إلى أن «هذا الأمر منوط بالاختبارات العلمية المتطورة وإن كنا نعلم منافعه على الصحة العامة».
وأشار إلى وجود نوعين: «إكليل الجبل المتدلي وهو غير صالح للأكل، وهنا ندعو للتنبه له لأن الرائحة متشابهة لكن هناك اختلاف بالمواصفات لجهة التركيبة الكيميائية»، ولفت إلى «اننا نركز على اكليل الجبل البري الذي ينبت عمودياً وهو صالح للأكل ويتم استخدامه كنوع من البهارات في العديد من الأطعمة». وأكد رضوان أن «اكليل الجبل نبتة عاسلة ودائماً نلاحظ وجود النحل بكثرة على إزهارها».


السفير