تستنزف كلفة النقل «الكارثية» المواسم الزراعية، وتكبد المزارعين، على الرغم من أن «الموسم غزير والسعر جيد» ...
تستنزف كلفة النقل «الكارثية» المواسم الزراعية، وتكبد المزارعين، على الرغم من أن «الموسم غزير والسعر جيد»، الخسائر وتعمل على هدر أرباحهم.
ويوضح مزارعون لـ«السفير»، منهم المزارع بلال الخطيب، أن القطاع الزراعي محاصر بين النقل الخارجي المثقل والمنهك بالأحداث السورية، والنقل الداخلي المنكوب بالأحداث والإشكالات الأمنية المتنقلة من منطقة إلى أخرى، ما يحرمهم من تسويق إنتاجهم في الداخل من دون بروز بعض المخاوف والعقبات، التي تنتهي في آخر المطاف بإضافة كلف مالية على أكلاف الإنتاج الأساسية.
ولعل أخطر ما تشهده مواسم البقاع الزراعية، أنها باتت اليوم، أسيرة التقاتل الطائفي في هذا السهل، الذي يبكي على مواسم رائعة بإنتاجاتها وأسعارها، إنما مأساوية في كلف تصريفها إن كان داخليا أم خارجيا، والسبب واحد ويتعلق بالموضوع الأمني.
لا مشاكل ولا أمراض في مواسم الحشائش والخضار والبطاطا، والأحوال الجوية التي تناسبت مع مواقيت الإنتاج الزراعي فعلت فعلها في إنتاج مواسم غزيرة بإنتاجها وبنوعيتها الجيدة، كما ان الرقابة الرسمية من قبل وزارة الزراعة على موضوع الأدوية والمبيدات الزراعية، أبعدت عن هذه المواسم الكثير من الترسبات الكيميائية التي كانت تحول من دون السماح بالتصدير إلى مختلف الدول العربية والأجنبية، عدا العوارض السلبية التي كانت تحدّ من كمية الإنتاج من جراء الممارسات الخاطئة والمجهولة من قبل عدد من المزارعين.
الذهب الأصفر
من السهل إلى الحدود مباشرة تعبّأ الشاحنات والبرادات من إنتاجات حقول البطاطا أو «ذهب البقاع الأصفر» حيث تتلألأ الحقول بحبات أو بـ«درنات البطاطا» التي لا تنتظر في حقولها بعد القلع سوى فترة التوضيب لتنتقل بسرعة إلى الأسواق الداخلية والخارجية عبر خطي الشحن البري والبحري، من دون أي عقبات تذكر سوى بعض الإشكالات الأمنية الداخلية، التي تتسبب في أغلب الأحيان بقطع الطرق أمام العابرين ومنهم شاحنات النقل الزراعي التي تدفع أيضا ثمن هذه التحركات الاحتجاجية.
«موسم البطاطا أكثر من جيد»، وفق المزارع رفيق الفوعاني الذي يعمل على تحفيز عمّاله في تسريع عملية القلع وتوضيب الانتاج في البرادات، فالشاحنات من السهل إلى الحدود اللبنانية ـــ السورية البرية عند منطقة المصنع لتبدأ من بعدها رحلة العبور التي لا تسلم من المخاطر والعقبات والمخاوف الأمنية.
لا شكوى من موسم البطاطا، وفق ما يجمع عليه أغلب المزارعين الذين يتحدثون عن كميات غزيرة من إنتاج البطاطا في البقاع لهذه السنة بما يزيد عن 300 ألف طن. ويوضح رئيس «نقابة مزارعي البطاطا في البقاع» جورج الصقر لـ«السفير» أن حركة انسياب الشاحنات الزراعية باتجاه خطي الشحن البري والبحري تسير طبيعياً، في ظل ما يسميه بـ«ربان ماهر» حام لهذا القطاع والمقصود، وفق الصقر، وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن الذي لا يتأخر ومستشاريه عن معالجة أي عقبة ومشكلة على الحدود.
انتفاء المنافسة
ارتياح المزارعين، مرده وفق نزيه بقاعي (صاحب مؤسسة تبيع مستلزمات زراعية) إلى انتفاء المنافسة السورية الزراعية للإنتاج الزراعي اللبناني الذي لم يعد يصادف إنتاجات سورية في الدول العربية تنافسه على الأسواق المفتوحة في هذه الأيام، بفعل الأحداث الأمنية الجارية في الداخل السوري.
من العوامل التي استفاد منها القطاع الزراعي أيضا، وفق بقاعي، هو النزوح السوري ووجود أكثر من مليون سوري في لبنان عملوا على رفع نسبة استهلاك الخضار والفاكهة، ما قد يكون البديل من خسارة المزارع والمصدر اللبناني للسوق السورية التي كانت تستورد في أشهر 8 و9 و10 من كل عام أكثر من 50 في المئة من الإنتاج الزراعي اللبناني.
يطالب المزارعون ومنهم بقاعي عبر «السفير»، بإيجاد آلية رسمية تلحظ ارتفاع كلفة النقل البري وإدراجها ضمن مشروع دعم التصدير، وزيادة نسبه الدعم المالي الذي تقدمه مؤسسة «ايدال» ليتناسب مع هذا الارتفاع الكبير في النقل، فالأولوية وفق المزارعين، دعم النقل حتى لا تتحول هذه الأرباح إلى أجور نقل، مع تشديدهم على ضرورة أن تقوم «ايدال» بدفع ردّياتهم المالية في فترات زمنية لا تبعد كثيرا عن مواقيت التصدير، وأن تكون دورية وكل ثلاثة أشهر على أقصى حد، حتى لا تستنزف الردّيات المالية العائدة للمصدرين والمزارعين في عملية فوائد المصارف التي يستلف منها المزارعون لتغطية أكلاف إنتاجهم الزراعي، إضافة إلى التصدير والنقل.
في هذا السياق، يؤكد رئيس «تجمع مزارعي وفلاحي البقاع» ابراهيم الترشيشي أن «التصدير الخارجي يستهلك أكثر من 200 ألف طن من كمية الانتاج، والباقي يصرف في الأسواق الداخلية».
بين 500 و550 ليرة
الأسعار جيدة ويتراوح سعر مبيع كيلو البطاطا في أرضه ما بين 500 إلى 550 ليرة، وهو سعر مربح نسبيا للمزارعين، لكن هذه الأرباح لا تكفي في بعض الأوقات، لسداد كلف ارتفاع النقل التي يصفها مزارعون ومصدرون بأنها «أكثر من مأساوية، في ظل بقاء نسبة الدعم على التصدير الزراعي من دون تغيير».
صباح كل يوم تتجه أكثر من 30 شاحنة براد محمّلة بالبطاطا نحو الحدود الأردنية عند معبر النصيب، في رحلة نقل تبلغ تكاليفها الحالية لكل شاحنة أكثر من ثمانية آلاف دولار. علماً أن هذه الكلفة لم تكن تتجاوز في السنوات ما قبل الأحداث السورية أكثر من أربعة آلاف دولار، وفق أرقام الترشيشي، الذي يشير إلى أن «المدة الزمنية لرحلة البر تمتد ما بين 10 أيام إلى 15 يوما».
لا يجد المزارع يونس سعيفان سوى التنويه بقرارات وزير الزراعة الذي يعمل على تحييد القطاع وخـــــطوط نقله عن «كل هذا الجحيم الأمـــــني اللبناني والخارجي، الذي يترافق مع جهــــود استثنائية مع كل وزارات الزراعة في الدول العربية ومسؤوليها لتذليل أي عقبة تعترض سبيل حركة انسياب الشاحنات».
ويبرز سعيفان إيجابيات الموسم الحالي، مشيرا إلى أسعار أكثر من مقبولة وتصريف طبيعي بنسبة تتجاوز 80 في المئة مع أسواق واستهلاك محلي جيد قياسا إلى السنوات الماضية.
السفير