زيتون الهرمل يوفر 4 ملايين دولار لو صرّف محلياً وعالمياً: تبدو معاناة مزارعي الزيتون في منطقة الهرمل شبيهة بحكاية ابريق الزيت، بدءا من ارتفاع كلفة الإنتاج، بسبب غلاء المحروقات، ومرورا بتعرضهم للاستغلال من قبل تجار الجملة، والسماسرة في أسواق مبيع الفاكهة والخضا
تبدو معاناة مزارعي الزيتون في منطقة الهرمل شبيهة بحكاية ابريق الزيت، بدءا من ارتفاع كلفة الإنتاج، بسبب غلاء المحروقات، ومرورا بتعرضهم للاستغلال من قبل تجار الجملة، والسماسرة في أسواق مبيع الفاكهة والخضار، ومن دون الانتهاء بكساد إنتاجهم من الزيت، الذي يتراكم عاما بعد آخر. ولم يدر في خلد الكثير من مزارعي المنطقة، أنهم سيكونون عرضة لكل تلك المشكلات، عندما شرعوا، منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً باقتلاع أشجار المشمش، بعدما أقفلت في وجههم أسواق الخليج العربي، وانكبوا منذ ذلك الحين على غرس حقولهم بأشجار الزيتون، لاعتقادهم بأن الخصائص التي تتميز بها، ستساعدهم في التحكم بعملية قطافها، وتخزين الزيت وتعبئته، وتحولها بفعل الإقدام المتزايد على زراعتها، إلى المصدر الأساسي لدخل مئات العائلات. وكان قد وصل الإنتاج إلى نحو خمسة آلاف طن من ثمار الزيتون، وهو المرشح للزيادة باستمرار عاما بعد آخر، بسبب النمو المتزايد لمئات آلاف الأشجار التي تغطي سهول المنطقة وأوديتها، وصولاً إلى حدائق المنازل. ويوفر ذلك الإنتاج، في حال تصريفه، دخلا إجماليا للمنطقة يقارب الأربعة ملايين دولار أميركي، تتوزع بين ثمن نحو ألفين وخمسمئة طن من ثمار الزيتون، وعشرين ألف صفيحة من الزيت، هي حصيلة نقل الكمية الأخرى من الإنتاج إلى معاصر المنطقة، وبعض المناطق الأخرى.
وتبدأ المشكلات التي تواجه زراعة الزيتون في منطقة الهرمل، بإقدام الغالبية الساحقة من المزارعين على غرس الأشجار في حقولهم، من دون التدقيق في الأنواع التي تناسب التربة والمناخ، واعتماد أساليب الريّ التقليدية في الكثير من الأحيان، مع ما يعني ذلك من هدر للمياه وكلفة في المحروقات، بالإضافة إلى تعرض أشجار الزيتون للأمراض التي تسببها بعض الحشرات، لعدم مكافحتها في الوقت المناسب. وتشمل العشوائية والارتجال في التعامل مع شجرة الزيتون، عملية التقليم، وتوضيب الثمار، ونقلها إلى السوق أو معاصر الزيت، وتعبئته وتخزينه داخل العبوات البلاستيكية، التي ثبت بأنها تتفاعل مع بعض مكونات الزيت، وقد تتسبب ببعض الأمراض.
ويقول المزارع حسين شمص: «إن مزارعي الزيتون في منطقة الهرمل، يعانون من كل أنواع الإهمال من قبل المؤسسات الرسمية، المسؤولة عن حماية ودعم وتطويرالقطاع الزراعي من جهة، وغياب مركز متخصص يعنى بالإرشاد إلى الأساليب العلمية والتقنيات الحديثة في زراعته وقطافه وتوزيع الأغراس السليمة والمؤصلة، وتوضيب إنتاج المنطقة من الزيت الذي جعل كساده زراعة الزيتون، تتحول من مصدر للدخل، وتحسين الأوضاع المعيشية للمزارعين إلى مشكلة حقيقة لهم، تساهم في وقوعهم فريسة العوز وتراكم الديون». ويلفت شمص إلى أن «زراعة الزيتون وإنتاج الزيت الجيد، يتطلبان عناية خاصة وشروطا لا بد من توفرها منذ لحظة غرس شجرة الزيتون، ومرورا بالعناية بها كالري والتغذية، ومكافحة الأمراض والحشرات، التي تهاجمها، ووصولاً إلى طريقة جمع الثمار وتوضيبها، وإرسالها إلى المعصرة، ومواصفات وتعبئة الزيت المنتج بحيث يستطيع المنافسة في الأسواق الداخلية والخارجية». ويؤكد شمص على أن إنتاجه خلال العام الماضي من الزيت، وصل إلى ثلاثين تنكة، استطاع بيع عشر منها فقط، بواسطة علاقاته الشخصية، بينما ما تزال العشرون الأخرى في قبو المنزل، وفي وقت بات الموسم الجديد على الأبواب، وهي حال الأغلبية الساحقة من المزارعين في المنطقة.
ويعرض رئيس «الجمعية التعاونية الزراعية في الهرمل» الدكتور مهيب حمادة لتجربة التعاونية، ومحاولتها توحيد جهود مزارعي المنطقة ومن ضمنهم أصحاب حقول الزيتون من أجل الحد من المشكلات التي تواجههم، بسبب الأساليب التقليدية التي ما تزال معتمدة في زراعة وريّ وقطاف إنتاجهم من الزيتون. وقد باتت تلك الزراعة عنصرا اقتصاديا هاما، لأنها تشكل الدخل الرئيسي لمئات العائلات والعمال الزراعيين، وتمكن التعاونية من توفير بعض الخدمات للمزارعين، وعلى رأسها بناء معصرة حديثة لإنتاج الزيت، وبمساعدة عدد من المؤسسات المانحة والسوق الأوروبية المشتركة، وهو ما ساعد في التخفيف من عبء نقل الإنتاج لمسافات بعيدة، وتكبد المزيد من الكلفة. وعملت التعاونية «على توفير بعض الخدمات الأخرى كتنظيم الدورات التدريبية وورش العمل، حول طرق الريّ والقطاف، وتوضيب الثمار وتعبئة الزيت، وإرسال عينات منه إلى أحدث المختبرات الإيطالية، حيث تم تأكيد جودته العالية التي تجعله منافسا حقيقياً في الأسواق الداخلية والخارجية»، وفق حمادة، الذي يلفت إلى أن ذلك «يتطلب إدارة ورعاية متكاملة لإنتاج المنطقة من الزيتون والزيت، وربط حلقات زراعته وإنتاجه بعضها ببعض منذ لحظة غرس الأشجار، مروراً بريّها والعناية بها ومكافحة الأمراض وقطاف الثمار وعصرها وتوضيبها بشكل جيد، وبمواصفات تراعي الجودة العالمية لإنتاج المنطقة من الزيت، وإيجاد علامة تجارية مسجلة وخاصة بزيت الهرمل وزيتونها، وهو ما أصبح من المؤكد، بأنه يتجاوز قدرة المزارعين بمفردهم على القيام به، ولن يتم إلا بتضافر جهود المزراعين والتعاونية والقطاع الخاص ووزارة الزراعة، كي يمكن ضمان جودة الإنتاج، وتأمين تسويقه في لبنان والخارج».
ويقول مدير «مركز الجواد للتنمية والإرشاد الزراعي» المهندس حسين قانصوه: «إن زراعة الزيتون تكتسب أهمية كبيرة على المستويين الاقتصادي والبيئي، وبدأت تحتل الأولوية بالنسبة للقطاع الزراعي في منطقة الهرمل، بسبب الشروط المناخية وتربة المنطقة المناسبة لزراعتها، وتحولها إلى الزراعة الرئيسية فيها، بما توفره من دخل وفرص عمل وإنعاش لدورتها الاقتصادية، ومكافحة التصحر الذي يهدد المنطقة، والتي باتت الأولى على ذلك الصعيد في لبنان»، لافتاً إلى أنها «الزراعة الأكثر مقاومة للأمراض، ناهيك عن الفرصة لإنتاج كميات كبيرة من زيت الزيتون الصحي والخالي من المواكد الكيماوية، ويزداد الطلب العالمي عليه كمادة غذائية هامة». وأشار قانصو إلى أن المركز «أعطى أهمية خاصة لتلك الزراعة، ووزع أعدادا كبيرة جداً من أغراسها على المزارعين، ولكن ذلك لا يكفي، وبات الأمر يتطلب وجود خطة متكاملة من أجل اعتماد مفهوم العمل التعاوني، لأن الغالبية الساحقة من مزارعي المنطقة هم من أصحاب الحيازات الصغيرة». ويتطلب الأمر «إنشاء المشاتل لإنتاج الأغراس المؤصلة، التي تتناسب وطبيعة المنطقة تربة ومناخا، وإنشاء مركز متخصص لإنتاج زيت الزيتون وتوضيبه، وفقاً للمواصفات العالمية، بما يسمح بتصديره إلى الأسواق الخارجية، وهو ما ينسجم وخطة وزارة الزراعة في التشدد بوضع الضوابط من أجل سلامة الغذاء في لبنان، وتشجيع إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية، وتوحــيد جهــــودها في إطار جمعية تعاونية متحدة، تمثل جميع العاملين في قطــــاع زراعة الزيتون في الهرمل، وإنشــــاء معمل لتعبئة الزيـــت بإدارة الجمعية، وإقـــامة الدورات التدريبية المتواصــلة من أجل تطوير خبرات المزارعين».
ركان الفقيه - السفير