أين أصبح الخلد «المخرب»... الذي يساهم في تهوئة التربة وتجديدها؟: غالباً ما يستحضر الناس حيوان الخلد ليؤكدوا على المثابرة والإصرار والقوة «انه يحفر مثل الخلد»، مثل شاع منذ زمن بعيد. ولعل الأجـداد اكتشفوا أن «رأسه قوي جدا وقادر على حفر الأرض حتى في المناطق الصلب
غالباً ما يستحضر الناس حيوان الخلد ليؤكدوا على المثابرة والإصرار والقوة «انه يحفر مثل الخلد»، مثل شاع منذ زمن بعيد. ولعل الأجـداد اكتشفوا أن «رأسه قوي جدا وقادر على حفر الأرض حتى في المناطق الصلبة جدا بحيث يعجب المرء من قدرته على تفتيتها وبناء ممرات فيــها»، على ما قال رئيس «مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليـها ـ عاليه» الدكتور منير ابو سعيد، وهو يعد دراسة الآن بالتعاون مع جامعة سلوفينيا وخبير القوارض البروفسور بوريس سكيت عن القوارض في لبنان، وفي مقدمها الخلد.
ما يسترعي الانتباه أن ليس ثمة دراسات وافية عن هذا الحيوان، وهنا تأتي أهمية الدراسة لتوثق تفاصيل كثيرة غير معروفة عن الخلد، من شأنها أن تجيب عن تساؤلات كثيرة حيال هذا الحيوان «الغامض» الذي «يمضي كل حياته تحت الأرض».
يقول أبو سعيد: «الخلد اللبناني أعمى ولا يرى أبدا لكن اذا نزعنا الجلد عند ثقبين صغيرين في الوجه نرى عينين واضحتين لكنه لا يرى بهما، لسبب بسيط وهو انه لا يحتاجهما! فهو يعيش في بيئة مظلمة تحت الأرض ويعتمد على حاسة السمع القوية جدا، وفي الوقت عينه ليس لديه شكل الأذن الخارجية المعروفة لدى معظم الكائنات ومن بينها الإنسان، وأذناه عبارة عن تجويفين صغيرين».
وأشار الى ان «الخلد اللبناني ينتمي الى فصيلة تعرف باسم Spalax Leucodon Ehrenbelgi وهو نوع من بين عشرة أنواع موجــودة في العـالم»، لافتاً إلى أن «أسنانه الأمامية لا تتوقف عن النمو طوال حياته، كما سائر الفئران، لأنه ينتمي الى فصيلتها. فهي تستمر في النمو لأنها تتعرض لـلبري خلال حفر الأرض، وهو يقفل فمه وتبقى أسنانه الأمامية ظاهرة كي لا يدخل التراب الى فمه خلال الحفر».
ولفت أبو سعيد الى «اننا أسرنا عددا منها في سياق الدراسة التي نعدها ـ في جانبها العملي - فوجدنا أن وزنه يصل الى حدود المئتي غرام وطوله يتراوح ما بين 18 و 20 سنتيمترا وهو موجود في كافة الأراضي اللبنانية». وقال: «ان ثمة نقصاً دائماً في المعلومات على مستوى الـ Data الخاصة بالخلد، لكن الاتجاه المؤكد أن اعداده في تناقص مستمر حسب اللائحة الحمراء لـ (المجلس الدولي للحفاظ على الطبيعة)».
بعض التخريب وبعض الفوائد
وإذا كانت ثمة نظم ايكولوجــية في الطبيعة تشكل محيطاً حيويا لسائر الكائنات، يتبدّى سؤال بديهي حيال هذا الحيوان الذي يشكو منه المزارعون، فما هو دوره ضمن هذه الحلقة او هذا المحيط؟ وهل هو مجرد حيوان طفيلي لا وظيفة له إلا «التخريب»؟
في هذا السياق، قال الدكــتور أبو سعيد: «ثمة دور اساسي ومهم جدا للخلد لجـهة تهــوية التربة، ومن ثم التــهام الديدان تـحت الأرض، فضلاً عن انه عندما ينبش التراب ويخرجه الى السطح يساهم في تجديدها، لكن في المقــابل يشـكو المزارعون مما يتســبب به من أضــرار لجهة تخريب مواسم الخضار، فهو يقتات على جذورها ومن بينها البطاطا والجزر وأشجار الفاكهة».
وعن طرق مكافحته، قال: «يلجأ المزارعون في العادة الى ثلاث وسائل للقــضاء على الخلد، الاولى نصب فخ متصل بجهاز يشبه سلاح الصيد ومزود بخرطوشة صيد 12 ملم تنطــلق نحوه لحظة خروجه من ثقب الأرض، والثانيــة باستخدام السموم والمبيدات والثالثة من خلال تعويم المناطق التي يعيش فيها بالمياه عبر رصد الثقوب التي تعلن عن وجوده فيضطر للهرب والبحث عن مناطق جديدة او ينفق بعد هذه العملية».
التوازن المطلوب
وعما اذا كانت مساوئ الخلد أكثر من حسناته، قال أبو سعيد: «كل الكائنات على وجه الارض ان زادت اعدادها يصبح ضررها اكثر من فوائدها، وطالما ان عـددها محدود فلا اثر سلبياً لها، فالخنزير البري اذا كان عدده محدودا يكون دوره مهم جدا للغابة، ان كثرت الثعالب وطيور الحجل والدوري يصبح وجودها مسبباً للضرر».
وأضــاف: «كل كــائن حي له منافع في الطبيعة، لكن عنــدما يخرب الانسان الطبيعة ويقـتل الافاعي وحيوان النمس وغيرها من الطبيعي ان تزداد اعداد الخلد وعندها تصبح مساوئه كبــيرة»، واستـشهد أبو سـعيد بمـا كان يردده الباحث في العلوم الطبيعية البروفسور الراحل عبد المنعم تلحوق «الذي كان يردد مثلا شعبياً مهما (لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم)».
وأردف: «لندع الخلد يعيش في بيئته الطبيعية ويؤدي دوره في التوازن البيئي، لكن اذا تسبب بأضرار في المناطق المزروعة فلا حل إلا بمكافحته، ففي الاحراج دوره مهم جداً، فهو ينقل التربة والمناطق التي يحفرها تستخدمها حيوانات اخرى كجحور، ويساهم في تطوير البيئة الطبيعية للغابة».
أسباب التعرض للانقراض
وعما اذا تعرض الخلد للانقراض، قال: «الخلد الذي يعيش تحت الارض ويشق مسالك فيها ويساهم في تهوئتها يساعد ايـضا في مكافحة الكـثير من الحــشرات الضارة، واذا انقــرض الخلد سنواجه امراضاً قد نكون عاجزين عن مكافحتها».
وعن سبب وضع الخلد على قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض في العالم، حسب الدراسات الاخيرة للمجلس الدولي للحفاظ على الطبيعة، أشار الى ان «المجـلس حدد ثلاثة اسبــاب رئيسية: السم، قتله وتدمير البيئة الطبيعية التي يعيش فيها، وذلك استناداً الى معطيات توصل اليها خلال دراسات اجريت، وهو يلحظ الآن سبل معالجتها».