مواسـم مزارعي البقاع الموؤودة... أعـلاف ومـراع للماشيـة:

مواسـم مزارعي البقاع الموؤودة... أعـلاف ومـراع للماشيـة:
مواسـم مزارعي البقاع الموؤودة... أعـلاف ومـراع للماشيـة: يصف مزارعو البقاع مواسمهم الحالية بـ»المواسم الموؤودة»، حيث تركت في أرضها لتتحول إلى مراع للماشية أو أعلاف للمزارع. مواسم لا أب لها ولا أم تسأل عنها للانشغال بالصراع السياسي والمحاصصة التي دفع ثمنها آلاف

يصف مزارعو البقاع مواسمهم الحالية بـ»المواسم الموؤودة»، حيث تركت في أرضها لتتحول إلى مراع للماشية أو أعلاف للمزارع.
مواسم لا أب لها ولا أم تسأل عنها للانشغال بالصراع السياسي والمحاصصة التي دفع ثمنها آلاف العائلات الزراعية على امتداد البقاع المنكوب بمواسم لا تجد من يسوقها، ويصرف انتاجها، أو حتى يخزنها ويكدسها بعدما امتلأت المستودعات والبرادات بالإنتاج الزراعي الذي يعاني من ضعف الاستهلاك المحلي الذي تراجع إلى أكثر من 30 في المئة، وتراجع التصدير، وفق غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع، أكثر من 42 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها في العام الماضي.
يتذكر المزارعون، بعد الكارثة التي حلت بحقولهم وبساتينهم وأراضيهم وسهولهم الزراعية، وعودا زراعية رسمية، وعبارات الدعم المزينة بأبهى الكلمات التي تؤكد حقوقهم بدعم رسمي و»التفاتة أبوية» لسهلهم، إلا أن هذه العبارات بقيت حبرا على ورق، وما يجب أن يطبق وينفذ على أرض الواقع الزراعي، لم يعمل به، ولم يتشجع أحد من وزراء البقاع أقله، أن يطرح الموضوع الزراعي على الحكومة الجديدة التي كان ينتظر المزارعون منها أن تنصفهم، وأن تقوم ولو بأدنى واجباتها تجاه آلاف العائلات البقاعية المنسية من عهود الاستقلال إلى اليوم.

كارثة كروم العنب أو «الفضيحة»
في حقول البقاع أسئلة لا جواب لها، تبدأ مع كارثة كروم العنب أو «الفضيحة»، إذا بعد ستة أشهر لا يزال الكرّامون بانتظار تعويضات أجمع عليها آنذاك، وزراء البقاع ونوابه من أقصى شماله إلى أقصى البقاع الغربي، مرورا بقضاء زحلة، حيث تبارى الوزراء والنواب في غرفة زحلة في إبراز همتهم الكبيرة وتأثرهم بالكارثة مطلقين الوعود لتعويضات مالية عاجلة، سريعا ما تبخرت إلا أن التعويضات اقتصرت على توزيع بضعة كميات من الأسمدة، استفاد منها البعض دون الآخر.
من العنب إلى موضوع برنامج «اكسبورت بلاس» أي الدعم الزراعي الذي تشرف عليه مؤسسة «ايدال» لتشجيع الاستثمارات، هذا المشروع الذي أحيا القطاع الزراعي، وعشرات القطاعات الانتاجية المرتبطة بعملية التسويق والتصدير والتوضيب وسواها من قطاعات النقل، يواجه اليوم خطر الإلغاء مع انتهاء فترة التمديد الاستثنائية التي تنتهي نهاية شهر تموز الحالي، بعدما عمل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على تمديد العمل بالبرنامج الذي تصفه النقابات والتعاونيات الزراعية والمصدرين بأنه الوحيد الذي نجح في إنقاذ القطاع الزراعي، ورفع صادراته من مئة ألف طن إلى نحو 600 ألف طن، قبل بدء مسيرة العقبات والعراقيل التي تعترض مسيرة البرنامج، وكان آخرها أحاديث لنقابيين زراعيين، عن نقل مسؤولية الإشراف من «ايدال» إلى وزارة الزراعة، وما ينتج عن ذلك من رفض زراعي.
انتظر البقاعيون أن يكون أول قرار لمجلس الوزراء الحالي، إقرار العمل بالبرنامج دائمًا، من دون الحاجة إلى تمديده بعد كل فترة، مع إلغاء كل الحسومات المالية على الردّيات المالية التي تبلغ حاليا 80 في المئة من قيمة الدعم الأساسي.

«النقطة البيضاء الوحيدة»
يعتبر رئيس نقابة مصدّري ومستوردي الخضار والفاكهة في لبنان عبد الرحمن الزعتري برنامج «اكسبورت بلاس» بـ»النقطة البيضاء الوحيدة»، و»الايجابية الوحيدة في سجل التعاطي الرسمي الحافل بالقرارات السوداء والعدائية، التي ما انفكت تتوالى بضرباتها على المزارعين».
لكن «النقطة البيضاء» لم تدم طويلا، كأن الدولة بذلك، وفق الزعتري، «تعيد تنظيف سجل تعاطيها مع المزارعين، ليبقى أسود بامتياز، وحافلاً بالكثير من الكواراث والقرارات التي خلفت المآسي. ويدفع ثمنها عائلات المزارعين، ليعاقبوا على خيارهم بتشبثهم بأراضيهم».
أول المؤشرات الاقتصادية، أو ما يسميه المزارعون والمصدّرون بـ «خراب البيوت»، يتمثل بـ «تراجع حركة التصدير الزراعي دراماتيكيا»، وفق الزعتري، الذي يؤكد أن «لبنان في مواقيت التصدير، لم يعد يصدّر أكثر من 7 إلى 8 برّادات يومياً، فيما كان يصدر 50 برادا يومياً».
ويشدد على «الحاجة الملحة والضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى، لدعم الصادرات الزراعية، لأن الدول المجاورة تدعم بشكل أقوى من السابق صادراتها»، مقدماً أمثلة على دعم تلك الدول لسلعها وانتاجها الزراعي، «فمصر تدعم تصدير الحمضيات بمئة دولار للطن الواحد، وبسبعين للخضار والبطاطا. وتسير تركيا وسوريا في الاتجاه نفسه، مع الإشارة إلى أن سوريا تدعم المزارع عبر إعطائه أسمدة كيماوية وبذورا، وأدوية رخيصة الثمن. كما تشتري منه المحاصيل بأسعار تشجيعية».

تخزين الفاكهة في البرادات
في ظاهرة غريبة، وغير مسبوقة يكشف المزارع والمصدّر طوني شديد عن تهافت أصحاب بساتين الأشجار المثمرة على تخزين الدراق والمشمش والفاكهة في البرادات، لعدم وجود تصدير، والسبب غياب «ايدال».
سطور أخرى من الكارثة الزراعية البقاعية يكتبها المزارعون المكتويين بنار أسعار الأدوية والمبيدات الزراعية التي تضاعفت أسعارها أكثر من ثلاث مرات عن السعر الطبيعي في السنوات الماضية، بسبب إلغاء وزارة الزراعة كافة التسجيلات للأدوية والمبيدات الزراعية من دون تأمين البديل، الذي يتوفر فقط عند شركتين أو ثلاث في الحد الأقصى، ما جعل السوق حكرا على هذه الشركات التي رفعت أسعارها ثلاثة أضعاف، ولم تتحرك الوزارة لمعالجة الموضوع، كما يسجل عليها عدم تسهيل عملية التسجيل مع «خلق» عراقيل وعقبات تؤخر إدخال الأدوية والمبيدات الزراعية، لا سيما أنها تفتقد إلى المختبرات لفحص الأدوية، ومدى مطابقتها لمواصفات السلامة العامة والبيئية.
يشتكي المزارعون من أسعار المبيدات والأدوية «الملتهبة»، إضافة إلى فقدانها من السوق، وفق ما يقول نزيه بقاعي، الذي يطالب بزيادة مهلة التسجيل والعمل على إعادة تعويم السوق اللبنانية بالأدوية والمبيدات الزراعية.
قبل قرار وزارة الزراعة كان يدفع المزارعون حوالى 70 أو 80 دولارا لرش دونم حقل مزروع بالبندورة، واليوم وصلت الكلفة إلى ما يزيد على 170 دولارا.

»لا أدوية ولا مبيدات زراعية»
«لا أدوية ولا مبيدات زراعية»، حسب ما يقول المزارع أسامة الزغبي الذي يتحدث عن حقول زراعية تدفع ثمن فقدان الأدوية من السوق، فتقع أسيرة الأمراض والحشرات التي تفتك بالأوراق والإنتاج من دون وجود أي مبيد، وان توفر، فان الكلفة ستكون مضاعفة.
تحكي حقول القمح فصلا من «النكبة الزراعية»، ترويه أكياس القمح المكدسة في مخازن البقاع، بفعل عدم الاهتداء إلى آليات استلام الإنتاج، وتستعيد حقول «اهراءات روما» ظلم ذوي القربى الذين يتلهون بالمحاصصة، وخلافات التعيينات، التي لم تترك ولو حيز من الوقت لتحديد سعر استلام المحصول الحالي المميز بإنتاجه النوعي والكمي، ولكن يعوزه الاحتضان الرسمي الذي يتكفل بتخفيض الأعباء الإنتاجية التي يتكبدها المزارعون، والتي تبلغ 80 ليرة على كل كيلو قمح من جراء بدلات النقل والتخزين، ومن ثم النقل إلى مستودعات وزارتي الزراعة والاقتصاد.
تطول قائمة النكبة الزراعية البقاعية لتشمل زراعة البطاطا التي لا تجد سوى جوانب الطرقات الرئيسة على طول البقاع للعرض، وبفعل تراجع الحركة السياحية وانعدام التصدير، تكدّس أطنان من هذه الزراعة الاستراتيجية في البرادات التي رفعت أسعار التخزين بفعل التزاحم على تكديس الإنتاج.
«لا يستطيع البقاع اليوم تصدير أكثر من خمسمئة طن، في حين أن الرقم الطبيعي للتصدير لمثل هذه الأيام يجب أن يتجاوز 2000 طن»، وفق رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي، الذي يطالب الحكومة ببت موضوع «ايدال» سريعا، وتخفيف الأعباء الإنتاجية عن كاهل المزارعين.

خس وبصل.. وكثرة لجان
في موازاة ذلك، وانتقالا إلى الحشائش والبصل والثوم التي تحولت معها مئات الدونمات في سهول بر الياس وكفرزبد وقب الياس ورياق، الى مراع للماشية، يتحدث عشرات المزارعين عن سنة «غريبة ومأساوية»، ويشير المزارع سامي المجدلاني من كفرزبد إلى إنتاجه من الخس والبصل المتروك في أرضه، «لأن كلفة القلع والحصاد والتوضيب أغلى، وأكثر كلفة من المبيع الجامد»، فـ «دونم الخس يكلف المزارع مليون ليرة، لكن اليوم نتندر على من يضمن الدونم بـ500 ألف ليرة ولا نجد، وكذلك البصل».
وتتوج المسلسل المأسوي، ووفق عدد من المزارعين «كثرة اللجان الزراعية التي تضم وجوها تتواجد في أكثرية اللجان مع استبعاد المزارعين الحقيقيين المكتويين بلهيب تخلي الدولة عنهم، وحتى من قبل نوابهم ووزرائهم الذي اعتقدوا أنهم العالمون بحرمان المنطقة، حيث يقال إنهم أتوا بحجة إنصافها، ورفع الإهمال والحرمان عنها، لكن لا شيء تغير سوى ازدياد الظلم والقهر، لأنه أتى هذه المرة من ذوي القربى».

سامر الحسيني - السفير