قال الله تبارك وتعالى في سورة الواقعة: بسم الله الرحمن الرحيم "ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون*أفرأيتم ما ...
قال الله تبارك وتعالى في سورة الواقعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
"ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون*أفرأيتم ما تحرثون *أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون*لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون".
تعتبر الزراعة من أهم وسائل الحياة إن لم نقل: إنها أهمها على الإطلاق. فمن المعلوم أنها تؤمن الشرط الأساسي لبقاء الجنس البشري على وجه الأرض، إذ كل ما يؤكل لا بد أن يخرج من الأرض، ولا يمكن إخراجه منها إلا بواسطة الزراعة.
وعملية الزراعة على بساطتها عملية مهمة جداً، وتنبع أهميتها من أنها شرط ديمومة الحياة، ولولاها لقضى الناس جوعاً منذ فجر التاريخ. وأما بساطتها فلأنها تتمثل بدفن البذرة في التراب، وسقيها بقليل من الماء، ثم انتظار خروج النبتة محولة البذرة الواحدة عدداً كبيراً من البذور، بحيث يمكننا أن نعيد بها الكرة مرة أخرى وأخرى حتى نملأ البيادر حباً والموائد خبزاً وفاكهة والخوابي زيتاً وعصيراً ونحاط بسائر صنوف الخيرات.
وقد سميت عملية الزراعة هذه في لسان الأئمة عليهم السلام أكبر عملية تحليل كيمائي من حيث الأهمية، فقد روى الشيخ الكليني في الكافي أن الإمام الصادق "ع" قال: (الكيمياء الأكبر الزراعة)
فمن بركات الزراعة يأكل البشر على اختلاف مشاربهم، المؤمن والكافر والصالح والطالح، بل حتى الحيوانات والطيور، وكل ما هو حي في هذا الوجود، فعن الباقر "ع" قال: كان أبي يقول: (خير الأعمال الحرث، تزرع فيأكل منه البر والفاجر إلى أن قال ويأكل منه البهائم والطير) .
ولأهمية دور الزراعة كانت عملاً محبوباً إلى الله تعالى، بل إنه عز وجل نسب الزراعة إلى نفسه، بقوله: ( أم نحن الزارعون) . فالله هو الزارع الحقيقي، وما الإنسان سوى واسطة في دفن البذرة وسقي الماء، وهما عملان هذه، وبلادنا هذه وسيلة كافية للحصول على الغنى والرفاهية، حيث يزرع المزارعون، ثم يبيعون ما حصدوه بثمن زهيد لا يخولهم الاستمرار في عملهم وحياتهم، ولكنه، وبدون ريب، وسيلة لاتقاء سياط الفقر والحرمان، وللمحافظة على درجة الكفاف التي تساعد على تحمل مصاعب الحياة.
حق الزرع:
وإنما يكون الزرع حلالاً، والأكل منه طيباً إذا قام أهله بحقه، فإن لله حقاً في هذا الزرع، وهو الزكاة، وذلك بإعطاء الفقراء منه. وقد أشار النبي إلى هذا المعنى في بعض الروايات. ففي الكافي عن السكوني عن أبى عبد الله "ع"قال: سئل النبي "ص" أي المال خير؟ قال "ع": (الزرع، زرعه صاحبه، وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده...).
آداب الزراعة :
هناك آداب معينة ينبغي للمزارع أن يلتفت إليها:
منها: أن يتكل على الله تعالى في ما يقوم به من عمل، وقد ورد في تفسير قوله تعالى:"وعلى الله فليتوكل المتوكلون"، أنهم الزارعون. فالله سبحانه هو الذي يخرج الزرع بإذنه فيعطي لمن يشاء ويحرم من يشاء.
روى سدير قال: سمعت أبا عبد الله "ع" يقول: (إن بني إسرائيل أتوا موسى "ع" فسألوه أن يسأل الله عز وجل أن يمطر السماء عليهم إذا أرادوا، ويحبسها إذا أرادوا، فسأل الله عز وجل ذلك لهم. فقال الله عز وجل: ذلك لهم يا موسى. فأخبرهم موسى، فحرثوا ولم يتركوا شيئاً إلا زرعوه، ثم استنزلوا المطر على إرادتهم، وحبسوه على إرادتهم، فصارت زروعهم كأنها الجبال والآجام، ثم حصدوا وداسوا وذروا فلم يجدوا شيئا. فضجوا إلى موسى "ع".
وقالوا: إنما سألناك أن تسأل الله أن يمطر السماء علينا إذا أردنا، فأجابنا ثم صيرها علينا ضررا. فقال: يا رب إن بني إسرائيل ضجوا مما صنعت بهم. فقال: ومم ذاك يا موسى؟ قال: سألوني أن أسألك أن تمطر السماء إذا أرادوا وتحبسها إذا أرادوا، فأجبتهم ثم صيرتها عليهم ضررا. فقال: يا موسى، أنا كنت المقدر لبني إسرائيل، فلم يرضوا بتقديري، فأجبتهم إلى إرادتهم فكان ما رأيت).
وعن أبي عبد الله "ع" قال: (إن أمير المؤمنين "ع" كان يخرج ومعه أحمال النوى فيقال له: يا أبا الحسن، ما هذا معك ؟ فيقول: نخل إن شاء الله فيغرسه فما يغادر منه واحدة).
ومنها: بعض الأدعية المعينة المأثورة عن أهل بيت العصمة، يستحب للزارع أن يدعو بها من باب التسليم بأمر الله، فعن الإمام الصادق "ع": (إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة، وقل: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) ثلاث مرات ثم تقول: بل الله الزارع، ثلاث مرات. ثم قل: اللهم اجعله حبا مباركا، وارزقنا فيه السلامة. ثم انثر القبضة التي في يدك في القراح).
عن أبي عبد الله "ع" قال: قال لي: إذا بذرت فقل: اللهم قد بذرتُ وأنت الزارع، فاجعله حباً متراكماً.
وعنه "ع": »إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ على كل عود أو حبة: " سبحان الباعث الوارث "، فإنه لا يكاد يخطي إن شاء الله".
إذا كان الله عز وجل يولي الزراعة هذه الأهمية، فما بالنا معرضين عنها ؟!
وإذا كان للمزارعين عنده هذه المنزلة الرفيعة، فما بالنا البعض يأنف أن يكون منهم ؟!