تقرير الصندوق الدولي للتنمية الزراعية عن الفقر: في العالم مليار جائع!

تقرير الصندوق الدولي للتنمية الزراعية عن الفقر: في العالم مليار جائع!
تقرير الصندوق الدولي للتنمية الزراعية عن الفقر: في العالم مليار جائع!:

الرقم الضخم هو أبرز دلالة على حجم التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي للتصدي للفقر الريفي. ففي العالم، بحسب الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، «مئة مليون نسمة من السكان الريفيين والحضريين الفقراء باتوا في صفوف الجوعى في العالم». المليون نسمة هؤلاء، هم نتيجة أزمة تضاعف أسعار الأغذية الدولية في الفترة الممتدة من العام 2006 حتى العام 2008، والتي كان وقعها شديداً على بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض والمفتقرة إلى الموارد.
وكان تقرير الصندوق الدولي للتنمية الزراعية «إيفاد» للعام 2011 حول الفقر في المناطق الريفية، الذي أورد الرقم، قد أطلق منذ أيام في «الجامعة الأميركية في بيروت»، تحت عنوان «تحديات الفقر في المناطق الريفية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
ويُسجل التقرير ذلك، في حين «ظلت عجلة الزراعة في البلدان النامية تدور على امتداد عقود في سباق انخفاض الأسعار العالمية للمنتجات الغذائية، واقترن ذلك في الكثير من البلدان ببيئات محلية غير مواتية. علماً أن تدني مستويات الاستثمار في الزراعة، وعدم ملائمة السياسيات، وضعف الأسواق، وعدم قدرتها على المنافسة، وتدني حالة البنية الأساسية الريفية، وعدم كفاية الإنتاج والخدمات المالية، وتدهور قاعدة الموارد الطبيعية، تشكّل عوامل ساهمت كلها في إيجاد بيئة جعلت مشاركة أصحاب الحيازات الصغيرة في الأسواق الزراعية محفوفة بالمخاطر وغير مجزية».
وعلى الرغم مما يشير إليه التقرير لجهة وجود «زهاء مليار نسمة من السكان الريفيين الفقراء»، إلا أنه يعود ليلفت إلى أنه «هناك أسباب قوية تدفع إلى الأمل في تحقيق تخفيض كبير في مستويات الفقر الريفي لو أتيحت الفرص الجديدة للنمو الريفي وتحسنت بيئة المخاطر».
وبناء عليه، حدّد التقرير برنامج عمل محوره النمو الريفي الذي يحتاج إلى اعتمادات وتكييف مع احتياجات مختلف البلدان في السياقات المحلية، ويكون ذلك أيضاً في حال تضافرت جهود من الحكومات عبر مختلف الوزارات، والقضاء على بعض جوانب التمييز التقليدية في السياسات والبرامج الإجتماعية والاقتصادية. كما يتطلب ذلك جهداً جماعياً، بما في ذلك بناء شراكات وتحديد مسؤوليات جديدة، وإيجاد سُبل جديدة لتنسيق العمل ما بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومنظمات السكن الريفيين، بدعم أو بتيسير من المجتمع الإنمائي الدولي، تبعاً للحاجة.

3 مليار نسمة ريفيين
انطلق التقرير من قاعدة أساسية هي «حاجة السكان الريفيين الفقراء إلى إدارة المخاطر المتعددة التي يواجهونها، والتي تحُد من قدرتهم على الاستفادة من الفرص الجديدة، سواء في الزراعة أو في الاقتصاد غير الزراعي». ويؤكد التقرير على «الدور الحاسم الذي يمكن أن تقوم به السياسات والاستثمارات والإدارة السلمية في الحد من المخاطر والمساعدة على التعامل معها بشكل أفضل، وينبغي أيضاً تشجيع صور أفضل من التعاون بين الدولة والمجتمع، على أن يشمل ذلك السكان الريفيين ومنظماتهم وقطاع الأعمال التجارية ومجموعة متنوعة من العناصر الفاعلة في المجتمع المدني».
ورأى التقرير أنه «مازال سكان العالم النامي ريفيين أكثر من كونهم حضريين. ويعيش ما يقرب من 3.1 مليارات نسمة، أي ما نسبته 55 في المئة من مجموع السكان، في المناطق الريفية. على أن مجموع السكان الريفيين في الفترة الممتدة من العام 2020 حتى العام 2025 سيصل إلى ذروته، وسيبدأ بعد ذلك بالانخفاض. وسيشهد العالم النامي زيادة في عدد السكان الحضريين بما يفوق عدد سكانه الريفيين». ويؤكد التقرير أنه «بدأ بالفعل عدد السكان الريفيين في أمريكا اللاتينية والكاريبي وشرق آسيا وجنوبها الشرقي يسير على طريق الهبوط. وتباطأ نمو السكان الريفيين في مناطق أخرى. وسوف يبدأ انخفاض أعداد السكان الريفيين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي جنوب ووسط آسيا بحلول العام 2025 وفي إفريقيا - جنوب الصحراء - حوالى العام 2045».
ويطرح التقرير في فصله السابع، سؤالاً يحدد مسار العمل: «ما الذي ينبغي عمله؟ وما هي سُبل تحقيقه؟»، مجيباً بأنه «بعد انقضاء عشر سنوات من الألفية الجديدة، ما زال شبح تحديات التصدي للفقر الريفي، وفي الوقت ذاته، يعتبر إطعام العدد المتزايد من سكان العالم في سياق ازدياد الندرة البيئية وتغير المناخ ماثلا بقوة أمام المجتمع الدولي، الذي يعتبر أنه لا بد من اتخاذ إجراءات حازمة الآن للتصدي للكثير من العوامل التي تديم تهميش الاقتصادات الريفية». ويكمل التقرير: «ولا بد من تمكين نساء ورجال وشباب الريف من تسخير تلك الفرص الجديدة للمشاركة في النمو الاقتصادي، وإيجاد سُبل أمامهم للتعامل بشكل أفضل مع ما يواجههم من مخاطر. والاهم من ذلك هو أن هذا العمل يتطلب تبديد آلة الركود التي تخيم على المناطق الريفية وتحويلها إلى أماكن يقبل شباب اليوم على العيش فيها ويرغبون في تحقيق طموحاتهم فيها».
ويعود السؤال ليطرح نفسه، كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل تتفاوت البلدان تفاوتا كبيرا في مستوياتهما من حيث التنمية الاقتصادية وأنماط النمو واتساع وعمق الفقر الريفي وحجم وبنية القطاع الزراعي والريفي؟ فيؤكد التقرير أنه «لا توجد إجابة بسيطة لهذا السؤال، لاسيما انه يمكن للمناطق داخل البلد الواحد أن تختلف اختلافا كبيرا، مما يسفر عن تباين كبير في مستوياتهما فرص النمو ولذلك لا يمكن أن توجد خطط عامة للتنمية الريفية والحد من الفقر الريفي. وتتباين مجالات التركيز والقضايا التي ينبغي التصدي لها والأدوار التي ينبغي أن يقوم بها مختلف الفاعلين باختلاف السباقات».
ويعني ذلك، بحسب واضعي التقرير، أنه «ينبغي تجاوز النهج القطاعية التتابعية الصارمة إزاء النمو الريفي. وما زالت الزراعة تقوم بدور رئيسي في التنمية الاقتصادية في الكثير من البلدان وتصل مصدرا رئيسيا لفرص الخروج من الفقر أمام أعداد كبيرة من النساء والرجال والشباب الريفيين. وبخاصة من يمكنهم تحويل ذلك إلى «عمل تجاري سليم». وبالإضافة إلى ذلك، فإن صغار المزارعين في جميع الأقاليم النامية يواجهون تحديات كبيرة، حتى وإن كانت متباينة بشدة. ويجب أن يظل التركيز على الزراعة بغرض المساعدة على التصدي لتلك التحديات محورا رئيسيا تركز عليه جهود الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية على حد سواء. ويجب أن يكون الهدف الذي ترمي إليه الجهود في نهاية المطاف في كل الظروف هو تطوير نُظم زراعة الحيازات الصغيرة المنتجة والمتكاملة مع الأسواق الدينامية (من أجل الخدمات البيئية وكذلك توفير المنتجات الغذائية والزراعية)، والمستدامة بيئيا والقادرة على الصمود في وجه المخاطر والصدمات وهذه العناصر الثلاثة تشكل السمات أساسية لزراعة الحيازات الصغيرة التي تتوفر لها مقومات البقاء، لا سيما كإستراتجية لكسب العيش بين أجيال الغد».
ورأى التقرير أنه «يمكن للقطاع الزراعي النابض بالنشاط وجملة العوامل الجديدة التي تشكل قوة محركة لتوسيع الاقتصاد الريفي غير الزراعي في مجموعة واسعة من الظروف القطرية. ويتطلب توسيع فرص الحد من الفقر الريفي غير الزراعي وتحقيق النمو الاقتصادي إتباع نهج واسع في النمو الريفي والتركيز على الاقتصاد الريفي غير الزراعي على النطاق الأوسع. ويتطلب التركيز على هذين المجالين، وهما: زراعة الحيازات الصيغرة والاقتصاد الريفي غير الزراعي، اهتماما خاصا بأربع قضايا وزيادة الاستثمار فيها. ومن بينها: تحسين البيئة العامة للمناطق الريفية، حتى تغدو أماكن تزداد فيها الفرص وتقل فيها المخاطر، وذلك عبر زيادة الاستثمار وتكريس اهتمام كبر للبنية الأساسية والمرافق لا سيما الطرق والكهرباء وشبكات المياه والطاقة المتجدد. بالإضافة إلى تخفيض مستوى المخاطر التي يوجهها السكان الريفيون الفقراء ومساعدتهم على تحسين قدرتهم على إدارتها ينبغي أن يشكل عنصرا محوريا وشاملا في جدول أعمال التنمية الريفية لصالح الفقراء، وينبغي ذلك أن يكون محركا لدعم الزراعة والاقتصاد الريفي غير الزراعي». كما يمكن «النهوض بالقدرات الفردية وتعزيز القدرات الجماعية للسكان الريفيين».
ويعتبر التقرير ختاما أن «الرهان ليس ليس لتحسين الحاضر الذي يعيشه مليار نسمة من السكان الريفيين وتحقيق الأمن الغذائي لهم جميعا فقط، بل إن الرهان أيضاً هو لتحسين العالم الريفي بأكمله والفرص التي سيرثها الجيل الريفي المقبل».

23/04/2011 السفير