إنجاز مشروع تنظيم أسواق الجملة للخضر والفاكهة: قد يصل سعر الخضر والفاكهة التي تشتريها من محل البقالة العادي إلى 10 أضعاف سعرها الأساسي، وذلك بعد أن تكون قد مرّت بأسوأ أنواع الحفظ في أسواق الجملة. واقع يُحتّم أكثر من أي وقت مضى قوننةً لأسواق الجملة. ويبدو أنّ ا
يتنقّل الذباب من دون أي إزعاج أو حرج بين الأوساخ ومجموعات الخضر والفاكهة المعروضة في معظم أسواق الجملة الخاصة بهذه السلع في لبنان. لا أحد معنيّ بهذا الوضع من التجّار، فهم يحقّقون الأرباح اللازمة، وليست هناك أيّ معايير إلزاميّة تُقونن عملهم على نحو ملائم.
وعندما نتحدّث عن أرباح التجار في أسواق الجملة، نعني أرقاماً هائلة. ففي سوق الخضر التقليديّة في بيروت، وهي قاطرة لجميع الأسواق الأخرى، حركة بيع يوميّة لا تقلّ عن 4 ملايين دولار تقريباً، بحسب إشارات وزير الزراعة، حسين الحاج حسن.
غريب جداً أن يكون وضع هذه السوق مترهّلاً إلى هذا الحد، شأنه في ذلك شأن سوق طرابلس مثلاً. ولذا حان وقت العمل.
ذكر الوزير حسين الحاج حسن كلمة الذباب والفضلات والبكتيريا والجراثيم والأرباح غير المعقولة... أكثر من مرّة في الورشة التي نظّمتها وزارة الزراعة في نقابة المهندسين أمس، لإطلاق النقاش الجدي بشأن مسوّدة مشروع تنظيمي (القانون أو المرسوم) هو نظام عام لأسواق الجملة للخضر والفاكهة في لبنان، أعدّته وزارة الزراعة ودعمته بالدراسات اللازمة.
لنفترض مثلاً، قال الوزير، أنّ جزءاً من الأرباح يكوّن 0.5% فقط من المبيعات الإجماليّة في سوق بيروت، يُخصّص للعناية والاهتمام ببيئة العمل، هذا الأمر يعني 20 ألف دولار يومياً! طبعاً، لا تحتاج سوق العاصمة إلى هذا القدر يومياً، لكن علينا التنبّه جيداً إلى أنّ الأرباح التي يحقّقها التجار في مرحلة الوساطة بين المزارع والمستهلك هي القسم الأكبر من السعر. والمثال الذي قدّمه حسين الحاج حسن كاف: يكون سعر العنب في الكرم 300 ليرة، فيصل إلى حدود 3 آلاف ليرة للمستهلك، ما يعني أنّ السعر الأخير يساوي 10 أضعاف السعر الأساسي!
المشروع المطروح لمعالجة هذه المسألة ومسائل كثيرة أخرى، مكوّن من 29 مادّة مطروحة للنقاش والتطوير، تعالج المسائل المتعلّقة بالسوق، من تنظيم المركبات والتحميل والتفريغ إلى السلامة والأمان، مروراً بالرقابة على الأسعار من المدقّقين المولجين هذه المهمّة. في المبدأ، تتولّى المجالس البلديّة في البلدات والمدن المختلفة الإشراف المباشر على الأسواق في منطقتها، وهي تمنحها قرار الإنشاء «بموافقة من الوزير (الزراعة، الداخليّة، الصحّة، الاقتصاد) وفقاً لمتطلّبات الحاجة والإمكانات» يقول المشروع المقترح.
وبناءً على اقتناع مفاده أنّ الأمور «لا يمكن أن تستمرّ على هذا النحو»، شدّد الوزير على أنّ الرقابة على العملية الزراعية يجب أن تبدأ منذ البداية وتستمرّ حتّى شراء المستهلك للسلع لوضعها على مائدته، أو تصدير السلع إلى الخارج. فأرقام وزارة الزراعة تشير إلى أنّ 50% من الإنتاج الزراعي اللبناني تُصدّر، ما يعني أنّ هناك كمية تراوح بين 450 ألف طنّ و550 ألف طنّ من الفاكهة والخضر تذهب إلى المستهلكين في الخارج.
من يمتلك السوق؟ وكيف تُدار؟ «اليوم هناك أشكال مختلفة من التنظيم»، أجاب الوزير عن السؤال الذي طرحه. غير أنّه شدّد على أهميّة مسألة أنّ التاجر ليس دائماً هو المخطئ. أوضح: «التاجر مرتاح أكثر مادياً، وغير مضغوط لتصريف نتاجه، لكن، في الوقت نفسه على المزارع أن يحترم بعض المعايير. لذا الآليّة ضرورية لخفض الهوّة بين السعر لدى المزارع والسعر النهائي، إضافة إلى ردم الهوّة على صعيد المعايير الصحية».
المهمّ الآن هو أنّ المشروع يجب أن يُعالج ويُدقّق في أسرع وقت ممكن، «فالمعايير التي توجب إصدار قوانين جديدة أضحت في الحضيض في لبنان» على حدّ تعبير الوزير، ويجب أن يُطرح الموضوع بعد البحث على مجلس شورى الدولة لتحديد ما إذا كان الأمر يحتاج إلى قانون أو مرسوم أو قرار تنظيم. ويبدأ الأمر بتحديد المعايير ومسؤوليات الوزارات المعنيّة، في ظلّ غياب قانون واضح في لبنان يحكم العلاقات بين المزارع والتاجر والمستهلك. وضع يؤدّي إلى مختلف أنواع الانتهاكات والثغر التي تتنوّع بين المادّي والصحّي.