هل تنجح زراعة «القنب الصناعي» غير المخدر كبديل عن «الحشيشة»؟

هل تنجح زراعة «القنب الصناعي» غير المخدر كبديل عن «الحشيشة»؟
تزايدت في السنوات الأخيرة الحملات الرسمية لإتلاف ما يُسمّى «زراعة حشيشة الكيف»، كما تزايدت المشاحنات الدورية ...

 تزايدت في السنوات الأخيرة الحملات الرسمية لإتلاف ما يُسمّى «زراعة حشيشة الكيف»، كما تزايدت المشاحنات الدورية والسنوية بين المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ومزارعي نبتة الحشيشة (القنب الهندي)، للقضاء على زراعة الحشيشة، حيث وصل مجموع الأراضي المتلفة في منطقة البقاع ما يقارب 32245 دونما، بحسب المصادر الرسمية.
لطالما تمّ الحديث عن «زراعات بديلة» لحل هذا الموضوع بالتزامن مع حملات التلف، الا ان الدراسات والعروض المقنعة والخطط البديلة والمتكاملة لم تعرض يوماً على المزارعين.
وبانتظار أن يأتي يوم تتقدّم فيه الجهات المعنية بخطط بديلة توفق بين القضاء على المحاصيل المخدرة غير المشروعة قانوناً من جهة وتنمية مناطق الزراعات البديلة من جهة أخرى، لا بد من التفكير جدياً بالبدائل وإيجاد إطار من التعاون على الأصعدة كافة، لاسيما على الصعد العلمية والمحلية والإقليمية والدولية.
ولعل السؤال الذي كان يُطرح كل سنة وبعد كل «موسم تلف»، كي لا نقول موسم زراعة، ما هو البديل المعقول المنافس لزراعة الحشيشة؟
قامت وزارة الزراعة، وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحكومة البرازيلية بتنفيذ مشروع بلغت قيمته ٤٣٠،٢٤٦ دولار أميركي، للعمل على استبدال نبتة القنّب الهندي المعروفة بنبتة «الحشيشة» الموجودة في البقاع والغنية بمادة الـتتراهيدرو كنابينول THC)) المخدّرة، بـ«القنّب الصناعي» المعروفة بـ«القنب الشامي» الخالية من المواد المخدّرة والتي تنمو في الأراضي الجافة ولا تتطلّب زراعتها استخدام مبيدات حشرية، وذات مردود اقتصادي مهم (يقارب مرود زراعة «الحشيشة» إذا ما تمّ احتساب المخاطر)، يساعد على تحسين سبل عيش المجتمعات الريفية والحد من تدهور الأراضي.

فما الذي يحمله هذا المشروع الذي يديره المهندس دومينيك الشويتر؟
ماذا في هذه التجربة؟ ما كانت نتائج الدراسات حول النبتة البديلة؟ ما هو وضعها القانوني؟ وما هي الخصائص والمميزات والفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية لهذا البديل؟ ومن يدير ويضمن عملية الإقناع والانتقال؟

خصائص النبتة الثورية

تعتبر النبتة البديلة «نبتة ثوريّة»، بحسب تعبير شويتر، لأنها تحافظ على البيئة وسهلة الزرع، ولا تتطلّب أياً من مبيدات الآفات وأياً من مبيدات الأعشاب. كما أنها تساهم في ضبط تعرية التربة السطحية، وتعتبر من أكثر النباتات استخداماً للضوء لإنتاج الأوكسجين من خلال البناء الضوئي.
من فوائد زراعة القنب الصناعي، إنها تشكل دورة زراعيّة جيدة لناحية اعتمادها على النظام الجذري المتشعّب الذي يرفّخ التربة في العمق مما يغني الأرض عن الفلاحة. لها قدرة عالية في تغطية المساحة المزروعة فتخلق تربة نظيفة وخالية من الأعشاب الضارة. تتطلّب كمية معقولة من النيتروجين. لا تحتاج الى أي نوع من أنواع المبيدات ان كانت مبيدات فطريات أو مبيدات حشرية، أو مبيدات الأعشاب. مقاومة طبيعية للجفاف. مندمجة بشكل جيد مع الزراعات الأخرى: لا تتطلّب أي أعمال حقليّة خلال الفترة الممتدة بين البذر والحصاد. لا تتطلّب أجهزة معينة وخاصة، باستثناء الحاجة لحصّادة اذا كانت الكمية والمساحات المزروعة كبيرة.


الزراعة والإنتاج

تزرع هذه النبتة في شهر آذار عند تسجيل ارتفاع في درجات الحرارة للاستفادة من الأمطار للري، وتكون فترة الزراعة من 100 الى 120 يوماً، وعند بلوغ البذور في شهر تموز تقريباً، يتم الحصاد.
يختلف إنتاج النبتة بحسب اختلاف احد هذه العوامل، وحصادها لا يتطلب آلات جديدة فيمكن استعمال الآلات التقليدية.
تقسم نبتة القنب الى ألياف لحائية، قش، وبذور، وتحتوي تركيبتها على البروتين، والاوميجا3 ، ويمكن ان نستخرج منها منتجات غذائية كالزيت والدقيق وعلف الحيوانات إضافة الى الخبز وغيرها كمستحضرات التجميل.


الاطار القانوني

زراعة هذه النبتة لا تخالف القانون. هناك اتفاقية وحيدة للمخدرات أقرت العام ١٩٦١ وظهرت بصيغتها المعدلة ببروتوكول سنة ١٩٧٢ حيث وقّع لبنان على هذه الاتفاقية وتعديلاتها دون اي تحفظ. ونصت الاتفاقية في المادة ٢٨ فقرة ٢ على ما يلي: «لا تسري هذه الاتفاقية على زراعة نبتة القنب المخصصة قصرًا للأغراض الصناعية (الألياف والبذور) أو لأغراض البستنة».
وقد نص القانون الصادر بتاريخ ٢٠/٨/١٩٥٦ على تنظيم زراعة القنب الشامي أو الصناعي بموجب إجازة مسبقة تعطيها وزارة الزراعة.

نتائج تجارب زراعتها في لبنان

حول نتائج تجارب زراعتها في لبنان، يتحدث مدير المشروع المهندس دومينيك الشويتر عن تجارب عدة أجريت على أصناف متنوعة من القنب بين عامي 2007 و2011 .
«في شهر حزيران العام 2008 تمت تجربة ٦ أصناف من القنّب الصناعي في خمسة مواقع تمثل جميع المناطق الزراعية السهلية في لبنان وهي: تل عباس الغربي، عكار، قليعة، الجنوب، المنصورة، البقاع الغربي، حزين، البقاع الأوسط، الهرمل والبقاع الشمالي. وقد تفوقت منطقتا جزين والهرمل على باقي المناطق من حيث الإنتاجية وعدم ظهور فطريات على النبات».
ويضيف: «في شهر تموز العام 2011، ورغم الظروف المناخية القاسية، تمكنت جميع الأصناف المجّربة من التأقلم بنسب متفاوتة. لوحظ تقلّص في فترة النمو وانخفاض لافت في إنتاجية القش ولكن إنتاجية البذور بقيت مرضية رغم تدنيها عن الإنتاجية المطلوبة».
في حقل التجارب ومع مؤازرة القوى الأمنية ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، تمت تجربة معظم طرق الزرع، من ري و طمر البذور على أعماق مختلفة عند الزرع بالإضافة لآلات الحصاد المستعملة والشائعة في البقاع. وقد تبين ان الطريقة الأمثل لزراعة النبتة هي من خلال كثافة الزرع لإنتاج الحبوب (تختلف الأرقام بحسب الأصناف)، على ان يحصل الزرع بواسطة بذارة على سرعة منخفضة بعمق 2-3 سم للمحافظة على البذور في أرض محضرة مسبقاً. وهذا يدل على عدم وجود كلفة كبيرة لزراعية «القنب الشامي» وتماشيها مع الوسائل التقليدية الزراعية المستعملة في زراعة «الحشيشة». اما آفات نبتة القنّب الصناعي فهي محدودة بـ«الجعفيل»، وهو نوع من الحشرات التي تأكل البذور، بالإضافة الى «العفن الالترناري».


للغذاء والبناء

من بذور القنب الشامي يمكن استخراج الزيت عبر استخدام آلة لعصر البذور. ويتميز الزيت بأنه ذو طعم حلو ويحتوي على كميات هائلة من المواد الحمضية والأوميغا 3، الكاربوهيدرات، البروتين (مصدر ممتاز للبروتين) قابلة للهضم وخالية من الغلوتين.
وتمت التجارب لاستعمال قش القنّب في البناء وتميزت حجارة القنب بأنها دائمة وطويلة الأمد وعازلة للحرارة. كما يمتصّ القش الرطوبة ويوزعها، يقلل من الرطوبة والتكاثف في الداخل، يوفر في استخدام الطاقة ويمتص الكربون من الجو.
ومن فوائد استعمال القنّب في البناء، تحسين العزل، خفض التدفئة والتبريد، تخفيض وزن الحمولة على بناء، خفض أحجام وعدد أعمدة البناء.


الجدوى الاقتصادية

كما تم تقديم دراسة أولية لمختلف المنتجات الاستهلاكية الواعدة، ذات القيمة المضافة والملائمة للسوق اللبناني وتحديد الفرص والعوائق التي تعترض إنتاجها، تصنيعها وتسويقها.
وقد أجريت دراسات جدوى اقتصادية لاقتراح خطة تنفيذية لكل من خطوط الإنتاج لتصنيع منتجات القنب الاستهلاكية التي تمّ تحديدها في الدراسة الأولية على أنها واعدة واقتراح أفضل طرق استعمال بقايا نبتة القنب الصناعي بعد حصاد البذور، حيث اقترحت شركات عدة لإنتاج صناعات ومواد تستخرج من القنب الشامي منها شركة التصنيع الأولي للقنب (المردود بعد 8 سنوات)، شركة مستحضرات القنب الغذائية (4 سنوات) شركة مواد القنب للبناء (7 سنوات)، شركة أعلاف القنب (6 سنوات و10 أشهر)، شركة منتجات القنب الغذائية الصحية (4 سنوات).
اما خلاصة دراسات الجدوى الاقتصادية، فقد أظهرت أن الأرباح التي يجنيها المزارع من زراعة الحشيشة يمكن ان تصل الى ٩٩٥ دولارا اميركيا / دنم في العام ٢٠١١، بالمقارنة مع الأرباح التي يمكن ان يجنيها المزارع من زراعة القنب الصناعي التي تصل الى ٣١٠ دولارات للدنم الواحد في السنة الخامسة و٥٢١ دولار للدنم الواحد في السنة التاسعة. مع الإشارة إلى أن صفقات «الحشيشة» ليست مضمونة كل سنة. وتخلص الدراسة الى ان «زراعة القنب الصناعي هي جزء ناجح لبرنامج أكبر وأوسع انتشاراً لحل مشكلة الزراعات البديلة».


السفير