المنتجات الزراعية إلى مصر ودول الخليج بحراً: تحوّل المسار البحري للتصدير الزراعي إلى مسار إجباري، فلم يعد كناية عن خيار متاح ولا يستعمل، بل بات مفروضاً على التجّار والمزراعين لتفادي كلفة المخاطرة في التصدير البرّي عبر سوريا حيث كانت تمرّ 97.8% من الصادرات الزر
تحوّل المسار البحري للتصدير الزراعي إلى مسار إجباري، فلم يعد كناية عن خيار متاح ولا يستعمل، بل بات مفروضاً على التجّار والمزراعين لتفادي كلفة المخاطرة في التصدير البرّي عبر سوريا حيث كانت تمرّ 97.8% من الصادرات الزراعية الذاهبة إلى الأردن والعراق ومصر ودول الخليج
لم يعد أمام المصدرين اللبنانيين سوى التصدير البحري. هذا المنفذ لم يستغلّ سابقاً لاعتبارات تجارية رغم أنه كان متاحاً. اليوم هناك حاجة لهذا المنفذ بعدما ارتفعت مخاطر وكلفة الشحن البرّي عبر سوريا التي تُعدّ الممرّ الإجباري البرّي الوحيد للصادرات اللبنانية إلى دول الجوار والخليج العربي. خلاصة الأمر أن وتيرة استخدام المعابر البحريّة بدأت تزيد، فبحسب توقعات مؤسسة تشجيع الاستثمارات «إيدال» يمكن أن يصدّر المزارعون، بحراً، نحو 300 ألف طن، أي ما يوازي 57% من مجمل الصادرات الزراعية السنوية التي تبلغ 525 ألف طن.
يؤكد رئيس مجلس إدارة «إيدال» نبيل عيتاني، أن الطلب يتزايد على الشحن البحري للمنتجات الزراعية اللبنانية. هذا الطلب يرفع أسعار النقل تدريجاً، وخصوصاً أن العاملين على هذه الخطوط اكتشفوا أن البحر يمثّل منفذاً شبه وحيد أمام المزارعين والتجار مع ارتفاع وتيرة العنف في سوريا وارتفاع نسبة المخاطر هناك التي تزيد أعباء النقل البرّي وكلفته.
وتشير دراسة أعدّتها «إيدال» إلى أن 94% من الصادرات الزراعية كانت تذهب برّاً عبر الحدود السورية، فيما كان النقل البحري يمثّل 5% من الكميات الزراعية المصدرة والنقل الجوّي لا يمثّل أكثر من 1%. ووفق معطيات الصادرات الزراعية خلال السنوات العشر الأخيرة، فإن 98.7% من الصادرات الزراعية تذهب إلى الدول العربية، في مقابل 1.3% إلى أوروبا وأميركا وآسيا. أما تلك التي تذهب إلى الدول العربية فهي تتوزّع على النحو الآتي: 34.2% تذهب إلى ثلاث دول هي سوريا، الأردن، والعراق. و64.5% تذهب إلى 8 دول هي مصر، البحرين، الكويت، قطر، السعودية، الإمارات العربية، اليمن، وعُمان.
وخلال الفترة المذكورة صدّر المزارعون والتجار اللبنانيون إلى السعودية 97707 أطنان، وإلى الكويت 69514 طناً، والإمارات 497914 طناً، ومصر 33853 طناً، وعما 13647 طناً، وقطر 12635 طناً، واليمن 9635 طناً والبحرين 8181 طناً.
خلال الفترة الماضية، بلغت الكميات الزراعية الصادرة من لبنان 21 ألف طن، رغم أن «إيدال» تجزم بأن الكميات المتاح تصديرها بحراً تبلغ 300 ألف طن. السبب يعود إلى «سهولة التصدير البرّي الذي كان يمثّل الخيار الأول لدى المزارعين» يقول رئيس اللقاء الدوري الزراعي جهاد بلّوق. ففي السابق «لم يكن هناك أزمات حدودية وكانت التعقيدات التي تقع في التصدير البرّي للمنتجات الزراعية أموراً يمكن حلّها بسرعة، وبالتالي كان البحث عن حلّ آخر ليس خياراً، وبالتالي فإن سبب الانعطافة اليوم لا يمكن أن يُعزى إلى كون التصدير البحري كان متاحاً ولكن غير مرغوب» وفق بلوّق.
غير أن ما حصل اليوم دفع نحو البحث عن الحلّ الآخر، فالمرور عبر سوريا يحمل الكثير من المخاطر التي زادت أعباء النقل البرّي. إلا أن هذه الوسيلة هي ضرورية ولا تزال هي صلة الوصل بين لبنان وثلاث دول ليس لديها سوى هذا المنفذ مع لبنان هي سوريا، الأردن، العراق. وبالتالي، فإن الاعتماد بصورة أساسية على التصدير البحري يحرم لبنان من هذه الأسواق الثلاثة التي تستورد ثلث الصادرات الزراعية والتي يجب أن تبقى عبر البرّ وتتحمّل المخاطر المرتفعة والأعباء المتزايدة.
على أي حال، إن تغيّر مسارات التصدير من البر إلى البحر ستكون له انعكاسات واضحة على الكلفة النهائية للمنتج الزراعي المصدّر. فبحسب دراسة «إيدال»، يبلغ المعدل الوسطي لكلفة الإنتاج الزراعي نحو 59% من الكلفة النهائية، فيما توازي كلفة التوضيب ما نسبته 20%، وكلفة النقل ما نسبته21%. وبالتالي فإن أي تغيّر في كلفة النقل سيؤثّر حتماً على كلفة السلعة النهائية. لكن «المشكلة ليست في أسعار النقل، بل في سهولة النقل وسرعته» وفق بلّوق. ففي البرّ، كانت السلعة تصل خلال أيام قليلة تتراوح بين 3 أيام و6 أيام تبعاً لدول المقصد، غير أنه في البحر قد يصل عدد أيام النقل إلى نحو 15 يوماً وهذا أمر له تداعياته على كلفة المنتج وسرعة التصدير.
ومن أبرز نتائج هذا التحوّل الطارئ على الصادرات عموماً وعلى الزراعية منها خصوصاً، أنها ستحدث تغييراً قطاعياً في هيكلية النقل ودرجة الاعتماد على المسارات. فخلال السنوات العشر الماضية، كان الاعتماد كبيراً على الشاحنات لنقل البضائع المصدّرة التي كانت تحمّل بالحاويات المبرّدة لتذهب إلى مقاصدها. وبالتالي مثّلت الشاحنات اللبنانية ما نسبته 61% من الشاحنات المستخدمة لتصدير الإنتاج الزراعي. هذا يعني أن استخدام الشاحنات سيتقلّص ليحلّ بدلاً منها الشحن البحري. وتبعاً لكميات الصادرات المتاحة، فإن تصدير 300 ألف طن تعادل حملة 194 حاوية مبرّدة أسبوعياً، أي 776 حاوية كل أربع أسابيع، و9312 حاوية سنوياً.
هكذا يتبيّن أن قطاع النقل البرّي الخارجي لن يكون لاعباً اساسياً بعد اليوم في عمليات التصدير، وسيترك الفرصة لنمو قطاع النقل البحري الذي يمتلك قدرات واسعة بحسب عيتاني. فالنقل البحري يمهّد «لفتح أسواق جديدة لم يكن القطاع الزراعي قادراً على الدخول إليها سابقاً بسبب تركيزه على النقل البرّي» يلفت عيتاني. فعبر البحر، يشير عيتاني، إلى أنه يمكن المزارع التصدير إلى الأسواق الأوروبية وأميركا اللاتينية أيضاً، بكلفة نقل مماثلة لما كان يُدفع عبر البرّ.
المهم، أنه في الفترة المقبلة تقدّر «إيدال» أن صادرات الإنتاج الزراعي اللبناني ستسجّل الآتي: 140 ألف طن خضر، 310 آلاف طن فاكهة، 7 أطنان شتول، 5 آلاف طن زيت زيتون، 35 طن عسل، و280 ألف صندوق بيض.