زراعة: زراعة التبغ في لبنان على المحكّ

زراعة: زراعة التبغ في لبنان على المحكّ
زراعة التبغ في لبنان على المحكّ: نشأ صراع عالمي بين الدول المنتجة للتبغ، هدفه السيطرة على الإنتاج تحت مظلة «الاتفاقية الدولية لمكافحة التدخين». ويجري التداول حالياً باقتراحات ترمي إلى منع استخدام «التبغ الشرقي» في صناعة السجائر، ما قد يؤثّر سلباً ... ال

نشأ صراع عالمي بين الدول المنتجة للتبغ، هدفه السيطرة على الإنتاج تحت مظلة «الاتفاقية الدولية لمكافحة التدخين». ويجري التداول حالياً باقتراحات ترمي إلى منع استخدام «التبغ الشرقي» في صناعة السجائر، ما قد يؤثّر سلباً على نحو 24300 لبناني ينتجون نحو 8 آلاف طن من هذا النوع من التبغ
تحولّت الاتفاقية العالمية لمكافحة التدخين إلى محور صراع بين الدول المنتجة للتبغ والشركات المصنّعة، وقد امتدت ذيول هذا الصراع إلى لبنان، فالمعطيات تشير إلى أن كندا وأميركا وبعض دول الاتحاد الأوروبي تحاول إدراج مواصفات جديدة على صناعة التبغ، تطبقها الدول المنضوية في منظمة التجارة العالمية، من شأنها تخفيف استخدام تبغ «شرقي» في صناعة السجائر. وهذا النوع ينتج منه لبنان نحو 8 آلاف طن سنوياً، وبالتالي سيقضي الأمر على زراعة التبغ المحليّة، ولا سيما أن الإنتاج يُصَرَّف عبر نظام المقايضة مع شركات السجائر العالمية، وليس لدى لبنان صناعة محلية قادرة على امتصاص هذا الإنتاج.

صراع عالمي
وقّعت 168 دولة، بينها لبنان، اتفاقية عالمية لمكافحة التدخين (FCTC) صادرة عن منظمة الصحّة العالمية، وقد انبثقت منها لجان عدّة، أبرزها لجنة مكلّفة دراسة وضع القيود الفنيّة على الصناعات التبغيّة، فعقدت 5 اجتماعات، كان آخرها في 20 تشرين الأول 2009 ووضعت مسوّدة بهدف إقرارها في 2010 وإدراجها ضمن مواصفات منظمة التجارة العالمية. وبحسب ما تسرّب عن صانعي السجائر، حدّدت اللجنة المكوّنات التي تُسهم في الإدمان وتؤدي إلى أمراض سرطانية، على أنها كل «خلطة» تتضمن أكثر من 10% من تبغ «شرقي» المضرّ بالصحة.

كندا وأميركا ستتحكمان بالسوق وبالزراعة المرتبطة بها
أثار هذا الأمر حفيظة الدول المنتجة لتبغ «شرقي»، إذ إن تبنّي هذه المواصفة من منظمة التجارة العالمية سيقضي على زراعاتها، وسيجعل الدول المنتجة لتبغ «فرجيني»، وأبرزها كندا وأميركا، متحكّمة بسوق التبغ العالمية والزراعة المرتبطة بها.
ومن أبرز مظاهر الصراع بين منتجي التبغ في العالم هو ما نقله المسؤول عن برنامج مكافحة التبغ في وزارة الصحة العامة، جورج سعادة، عن شركات التبغ، إذ أشار إلى أن «هذه الشركات تبثّ أنباءً في السوق تفيد بأنّ كندا تقف ضد صناعة السجائر عبر المواصفات الجديدة للإنتاج». في المقابل، تقول كندا «إن شركات السجائر تقدّم لها تحاليل كاذبة عن مكوّنات المواد السامة للسجائر، ولا سيما تلك التي تصدّر إلى البلدان النامية حصراً»، وفي الحالتين يُستعمَل مزارعو التبغ كواجهة في الصراع الدائر، ولا سيما أن مسودة الاتفاقية توصي بتعويض المزارعين المتضررين من تطبيق بنودها.
لكن ما كان مثيراً للانتباه أن كندا كانت قد أصدرت قانوناً محلياً لمواصفات السجائر التي تصنّع محلياً أو تُستورَد، مماثلاً لما تحاول ترويجه عالمياً بهدف منع استخدام ورق التبغ «شرقي»، والإفساح بالمجال أمام ورق التبغ «فرجيني» الذي تنتج منه كميات كبيرة.

كساد الإنتاج المحلّي
محلياً، يقول رئيس مجلس الإدارة ـــــ المدير العام لإدارة الحصر والتنباك، ناصيف سقلاوي لـ«الأخبار» إن المعلومات المتداولة التي سرّبتها بعض شركات السجائر، تفيد بأنّ كندا تطالب بالاكتفاء في استعمال «فرجيني» في صناعة التبغ، وهو يُزرع في أميركا وكندا والبرازيل، وذلك تحت شعار يفيد بأنّ هذه الدول «تواكب المعايير الدولية وتطبقها وتحافظ على نسب استخدام مبيدات معينة...». في المقابل، يُزرع تبغ «شرقي» في كل من تركيا (65 ألف طن)، سوريا (12 ألف طن)، مقدونيا (16 ألف طن)، اليونان (20 ألف طن)، لبنان (8 آلاف طن)، تايلاند (6 آلاف طن)، والصين (8 آلاف طن)، أما تبغ «برلي» فتنتجه البرازيل وبعض دول الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، يؤكد سقلاوي أن منع استخدام التبغ «شرقي» في صناعة السجائر سيؤدي إلى كساد إنتاج الدول المذكورة، ويقضي على صادراتها، إذ لن تحتاج صناعة السجائر في العالم إلى أكثر من 300 طن تبغ شرقي، وسينعكس هذا الأمر سلباً على مزارعي لبنان، حيث يُنتج 24300 مزارع نحو 8 آلاف طن، منها 58% في الجنوب و22% في البقاع و20% في الشمال.
لكن، في الواقع إنّ إدارة حصر التبغ معنية مباشرة بموضوع استبعاد التبغ «شرقي» عن صناعة السجائر لجهة أمرين: الأول يتعلق بتشجيع زراع التبغ وتصريفه وشرائه بسعر مدعوم تقرّه الحكومة، والثاني يتعلق بصناعة السجائر محلياً.
فمن المعروف أن «الريجي» تشتري ما ينتجه المزراعون بمتوسط كلفة يبلغ 6.44 دولارات للكيلوغرام الواحد، وتغطي كلفة فرزه وتخزينه بمتوسط 1.30 دولار، ثم تبيعه بقيمة 3.06 دولارات، فيكون الدعم 4.68 دولارات، أي بكلفة دعم إجمالية تبلغ 40 مليون دولار.
وعلى الرغم من وجود ملاحظات على توزّع رخص زراعة التبغ واستغلال المزارعين من حاملي الرخص، إلا أن الريجي لديها نظام مقايضة يسمح لها بتصريف الكميات، إذ تفرض على شركات السجائر شراء التبغ اللبناني (شرقي بنسبة كبيرة وكميات قليلة من برلي)، بأسعار تشجيعيّة، مقابل تسويق سجائرها محلياً، لذلك تصدّر 7 آلاف طن تبغ إلى أوروبا بقيمة 26 مليون دولار، وتتعامل مع 45 شركة أجنبية تستورد منها مصنوعات تبغية بقيمة 135 مليون دولار بينها 370 مليون علبة سجائر «بالنكهة الأميركية» سنوياً.

موت صناعة
في المقابل تُنتج «الريجي» صنفاً واحداً من السجائر هو «سيدرز» وتبيع منه بمعدّل وسطي 2.5 مليون علبة سنوياً، أو ما يوازي 0.7% من مجمل استهلاك السجائر في لبنان، أي إن صناعة السجائر في لبنان تعاني «قحطاً» في الأنواع والأصناف، ولم تتمكن من التطور على الرغم من أن لبنان وسوريا كانا يعتزمان إنشاء مصنع مشترك لصناعة الدخان، ولأسباب غير معروفة لم يبصر النور. وفي حال إقرار مواصفات الإنتاج الجديدة لا يعود ممكناً استخدام الكميات المزروعة في إنتاج محلّي، وهذا يعني أن دور الريجي سيقتصر على تسويق السجائر الأجنبية وبيعها، وستفقد الدور الاجتماعي القائم على دعم مزارعي التبغ، أي ستتحول إلى مجرد بائع لدى الشركات الأجنبية!
في المقابل، يرى خبراء في صناعة التبغ، أن الإنتاج اللبناني هو الأدنى لجهة مستويات النيكوتين والقطران، إذ تصل نسبة النيكوتين في تبغ شرقي من إنتاج محلي إلى نصف ما هي عليه في تبغ «فرجيني»، وبالتالي فإن الذريعة التي تقدمها هذه الدول تهدف إلى السيطرة على موارد التبغ بالأسعار التي تناسبها، لا تلك المفروضة بحسب نظام المقايضة.

المصدر: جريدة الأخبار
الكاتب: محمد وهبة
التاريخ: 1/2/2010