المطالبة بـ72 مليارًا لتطوير قطاع الري العربي

المطالبة بـ72 مليارًا لتطوير قطاع الري العربي
المطالبة بـ72 مليارًا لتطوير قطاع الري العربي: في دراسة حديثة أجرتها إدارة التنمية والسياسات الاجتماعية التابعة لجامعة الدول العربية حول آفاق الإنتاج الزراعي في الدول العربية ودور الزراعة في النهضة العربية، كلَبِنَةً أساسيَّة شاركت في مسيرة التنمية العر

في دراسة حديثة أجرتها إدارة التنمية والسياسات الاجتماعية التابعة لجامعة الدول العربية حول آفاق الإنتاج الزراعي في الدول العربية ودور الزراعة في النهضة العربية، كلَبِنَةً أساسيَّة شاركت في مسيرة التنمية العربية وساهمت من قبلُ في دفع هذه التنمية إلى آفاق أرحب وأوسع، تبيَّن تراجع دور الزراعة المنشود خلال العقدين الماضيين؛ إذْ لم يتجاوز الإنفاق الحكومي في معظم الدول العربية 3%، وفي اليمن -مثلًا- توقَّف عند 2.8% من موازنة الحكومة، الأمر الذي حدث بالمثل في كلٍّ من مصر وسوريا والمغرب.
وأشارت الدراسة إلى أن إجمالي موازنة البحث والتطوير الإقليمي المخصَّصة لقطاع الزراعة ضئيل جدًّا، لدرجة أن جميع موازنات المنطقة بأكملها خلال العشرين عامًا الماضية لم تبلغ -على سبيل المثال- كسرًا عشريًّا من موازنة سنوية مخصصة للبحث والتطوير لإحدى الشركات متعددة الجنسيات، والمتخصصة في الأغذية الزراعية.
وعَزت الدراسة هذا التراجع لتوجه عملية التنمية في العديد من الدول العربية متوسطة الدخل إلى قطاعاتٍ أخرى والتركيز عليها دون غيرها، ومنها الصناعات الخفيفة والثقيلة أو قطاع الخدمات، لاستيعاب الزيادة المطَّرِدة في القوى العاملة، وأغلبهم من محدودي الدخل والفقراء الذين لا يملكون أراضٍ زراعيةً رغم أن ارتفاع كثافة القوى العاملة في الأراضي الزراعية في حد ذاته ليس مسئولًا عن انخفاض معدل إنتاج الفرد في قطاع الزراعة واتساع الفجوة في داخل قطاع الزراعة بينَه وبين غيرِه من قطاعات الاقتصاد، بل إن المسئولية تقع على عاتق عوامل مشتركة، منها نقص الاستثمارات في هذا القطاع المتعطِّش لرأس المال، خصوصًا أنه ما زال يسهم بنسبة كبيرة في الدخل القومي لا سيَّما في الدول الأقلّ نموًّا.
وبحسب الدراسة فإن هذه العوامل المشتركة هذه لا تقف عند هذا الحدّ، بل تتعدَّاه إلى التوسُّع في استخدام التكنولوجيا والمعدات الحديثة التي حلَّت محلَّ الأيدي العاملة على نطاقٍ واسع، واقتران الأمر بمحدودية قدرة القطاعات الرسمية الأخرى على استيعابِ القوى العاملة، ومن ثَمَّ يجب إعطاء الأولوية لتوسيعِ النشاطات غير الزراعية التي تستوعب قوًى عاملة بكثافة في المناطق الريفية باعتبارها إحدى محددات إيجاد فُرَص العمل وأداة لتثبيت الدخل في مواجهة الصدمات المناخية المفاجئة.

محفزات
واعتبرت الدراسة أن إعطاء محفِّزات للقطاع الخاص للاستثمار في الإنتاج الزراعي والتسويق وتبني مشروعات تشجِّع التكامل بين الزراعة والصناعة شرطًا ضروريًّا للأمن الغذائي في المنطقة العربية، وفي هذا الصدد ينبغي على صانعي السياسة العرب أن يولوا اهتمامَهم بأفضل الممارسات وقصص النجاح في الاقتصادات النامية الأخرى التي حققت نجاحاتٍ كبيرةً وكان للقطاع الخاص دورًا مهمًّا في تطوير القطاع الزراعي بها.
وطالبت الدراسة الدول العربية -إذا كانت جادَّة في طلب تعزيز أمنها الغذائي- بالاستثمار بشكلٍ مكثف في تحسين عملية توفير المياه وإنتاجها وتوزيعها في كافة الاستخدامات، مقدرةً رأس المال المطلوب لزيادة قدرة تحلية المياه على مدار العقود الثلاثة القادمة في الدول العربية بـ 73 مليار دولار، أو بمعدل سنوي 2.6 مليارات دولار، على مدار الثمانية والعشرين عامًا القادمة، مشترطةً أن يتواكب ذلك مع تصاعد حركة الاستثمار في قطاع الزراعة إذا كنا جادِّين في محاولة زيادة الإنتاج الزراعي وتقليل العبء المالي للواردات الزراعية وكفالة الأمن الغذائي، لا سيَّما أن نقص الاستثمارات في مجال الري يسهم في توسيع نطاق الزراعة القائمة على الأمطار، على أن هناك أراضٍ لا تتمتع بهبوط أمطار منتظمة، فلا بد إذن من تنشيط قطاع الري على نحو مناسب.
أعباء سياسية
وشدَّدت الدراسةُ على أهمية قيام الدول العربية التي تعاني من نُدرة المياه بالتعامل مع وكالات متعددة الجنسيات لاستيراد الغذاء الرئيسي مثل الحبوب من المناطق التي تتمتع بفائضٍ من المياه، على أن تستخدم مواردها المائية المحدودة في زراعة محاصيل عالية القيمة كالخضَر والفاكهة والزهور، بشكل يوفِّر لها عائداتٍ قيِّمَةً من العملات الصعبة لتمويل شراء الواردات من الحبوب، لا سيَّما أن زراعة كل متر مكعب من القمح تحتاج إلى 1000 متر مكعب من المياه، مما يستوجب على الدول التي تعاني من ندرة المياه تجنُّب دفع تكاليف اقتصادية وضغوط سياسية لتوفير هذه الكمية من المياه، الأمر الذي ينعكس سلبًا على النشاط الزراعي بها.
وتشير الدراسة لوجود خيارين على النقيض من بعضهما البعض ينبغي على الدول العربية أن تضعَهما في الاعتبار عند صياغة استراتيجيات الزراعة والأمن الغذائي الوطني والإقليمي، أولُهما أن الحافر الوحيد لإغراء المزارعين للتحول لإنتاج الحبوب يتمثل في حصولهم على أكبر فائدة ممكنة من زيادة الأسعار الدولية، وذلك من خلال تقليل الفجوة بين بوابة المزرعة وأسعار السوق وتسهيل الوصول للتكنولوجيا المتقدمة وغيرها من المدخلات من أجل سد الفجوة الإنتاجية بينهم وبين الدول الأخرى العاملة في ظروف مماثلة، فيما يشير الخيار الثاني بالربط بين الاستقلال السياسي وما يُطلق عليه السيادة على الغذاء؛ حيث يجبُ على الدول العربية في هذا الإطار تبني سياسات تؤمِّن -على الأقل- الحد الأدنى من استهلاكها من الحبوب داخل المنطقة.
إصلاحات ضرورية
وتَعتبِر الدراسة أن إجراء إصلاحات رئيسية في إدارة المياه وتقنيات الإنتاج الزراعي بمثابة شروط أساسية لتحقيق هذا الغرض؛ ففي العديد من الدول العربية تتمُّ معالجة الموارد المائية بطريقة غير مستدامة على الإطلاق، مما يفرض استحداثَ سياسةٍ للتعامل مع أزمة المياه، وهو أمرٌ أعطتْه الحكوماتُ والجهاتُ المانحةُ الأولويةَ لحل أزمة المياه، على أساس جعل سعر المياه الجوفية قريبًا من تكلفتِها الاقتصاديةِ وإنشاء جمعياتٍ لا مركزية لإدارة المياه وتشجيع تأسيس آليات تقليدية للحفاظ على المياه في المناطق المعتمدة على مياه الأمطار باعتبارها سياسة ذات أولوية.
وعلى الرغم من ذلك فإن الدراسة ترجح ألا تنجح هذه الخطط في استعادة التكاليف الفعلية لاستخراج المياه الجوفية وتعميم اللامركزية وتجديد نظم إدارة المياه، بل إن كل النجاحات ستتركز في خفض معدل استنزاف الموارد المائية، وبالتالي لن تحلَّ أزمةُ المياه، وهو ما عزته الدراسة لغياب المساواة في الحصول على الموارد المائية في المناطق الريفية؛ فمثلًا في اليمن تسيطر قلة على غالبية الموارد وتوجِّهُها إلى الاستثمار في معدات الحفر والضخّ الحديثة، مما يمكِّنُهم من السيطرة على مزايا الاستثمار فيوجهونَها نحو تنمية ثروتهم الشخصية.
دعم متجدد
ولم تستبعد الدراسة أن تؤدي سياساتُ الدعم المتجدد للنظم التقليدية الخاصَّة بالتحكم في المياه إلى زيادة الإنتاج الزراعي وتعزيز دخل صغار المزارعين لا سيَّما في الأراضي التي تعتمد على الأمطار، إذا ما نفَّذَت هذه السياسة بالطريقة التي تعطي الأولوية لتوفير المياه لمن لا يحصلون على إمدادات مياه كافية، فضلًا عن ارتباط زيادة الإنتاج بضرورة ضخّ استثمارات عامة ضخمة في تكنولوجيا الحفاظ على المياه بشكل يحدُّ من تكاليف الإنتاج وجلب محاصيل مقاوِمَة للجفاف.
وتتبنَّى الدراسة اقتراحًا يدور في فَلَك ضرورة إجراء إصلاحٍ فيما يتعلق بإعادة توزيع الموارد المائية في المناطق التي تُروَى بالمضخات الرافعة حتى يفقد من يتحكمون حاليًا في حصة غير متكافئة من الموارد المائية بعضَ مزاياهم الاحتكارية، غير أنها لم تحدد الآلية الدقيقة لهذا الإصلاح، وإن كان العديد من الخبراء يرون أن تعميم نظام اللامركزية في إدارة ملف الموارد المائية سيكون له تداعيات إيجابية على توزيع عادل للموارد المائية النادرة.
تقليل الفاقد
وتطالب الدراسة بضرورة تعميم وسائل الريِّ الحديثة، والتي ما زال استخدامُها محدودًا إلى الآن من أجل تقليل الفاقد في المياه أثناء الري عبر تحسين كفاءة القنوات المائية التي توصِل المياه للمزارعين، فضلًا عن ضرورة زيادة فعالية حصاد مياه الأمطار عن طريق التوسع في إنشاء السدود الصغيرة والتحويلية وحواجز المياه.
وقد شددت الدراسة على أهمية تطبيق نظام جدولة الريّ بشكلٍ مناسب، وتعزيز سياسة زراعة المحاصيل غير المحتاجة لمياه كثيفة، وتحسين زراعة المحاصيل المستدامة المعتمدة على مياه الأمطار كالنخيل والقطن والحبوب، مع ضرورة التركيز على تفعيل التعاون الإقليمي بين الدول التي تتقاسم مياهَ نهرٍ واحد، لضمان العدل في حصة كل دولة حسب القانون الدولي في هذا الشأن.
المصدر: www.islamtoday.net
التاريخ: 28/1/2010