الزراعة العضوية أصبحت ضرورة لاستدامة نظام الحياة: لا تقتصر أهمية الزراعة العضوية بكونها تخلو من الكيميائيات كما بات رائجاً في زراعة مستدامة تحافظ على المصادر الطبيعية واستدامة إنتاجها بمعنى المحافظة على الأصول الوراثية المحلية البرية الموجودة في بيئتنا كي ...
لا تقتصر أهمية الزراعة العضوية بكونها تخلو من الكيميائيات كما بات رائجاً في زراعة مستدامة تحافظ على المصادر الطبيعية واستدامة إنتاجها بمعنى المحافظة على الأصول الوراثية المحلية البرية الموجودة في بيئتنا كي لا نضطر لاستيراد البذور المهجنة من الخارج حيث لا نستطيع الاستفادة منها إلا لموسم واحد، وبذلك نستقل اقتصادياً وعلمياً عن الخارج. إضافة إلى أن الزراعة العضوية هي زراعة مكتفية ذاتياً حيث هي تشجع الاعتماد على المصادر المحلية وعدم استخدام مدخلات من الخارج، أي خارج البيئة المحلية، وتخدم العلميات الحيوية الطبيعية حيث تمثل التربة نظاما بيئياً متوازناً تتم تغذيته باستمرار وتنشط فيه الكائنات الدقيقة والتفاعلات الحيوية المرتبطة بها، كما يتم استخدام العشب الطبيعي وزيادة المادة العضوية في التربة وبالتالي زيادة نشاط الكائنات الحية في التربة والتفاعلات الحيوية الأخرى.
وبما أن الزراعة التقليدية تستخدم الأسمدة الكيميائية والمبيدات بكثافة وتعتمد على الأصناف المهجنة وتستنفد العناصر الغذائية وتجهد التربة، والحراثة فيها شيء أساسي ولا تخضع لأنظمة وقوانين وتكاليفها عالية، إضافة إلى أن سعر المنتج أقل، لذلك وبالمقابل نرى أن أهمية الزراعة العضوية تأتي من عدم استعمال الأسمدة والأدوية الكيميائية، إنما تعتمد على استخدام الأسمدة الطبيعية والمكافحة الحيوية، وتعتمد الأصناف المحلية، وتحقق استمرارية وديمومة للمصادر الطبيعية، وتتم تغذية التربة، والنمو الطبيعي والمتوازن. لكن الفرق هو ان الانتاج في السنوات الأولى يكون أقل، لكن السعر هو أعلى وهذا ما يعوض الفرق بين الأولى والثانية. كما أن الحراثة ليست ضرورية، إنما الزراعة العضوية تخضع لأنظمة وقوانين تفتيش ولتكاليف أقل بينما سعر منتجها هو الأعلى.
الزراعة الصحية
تأتي أهمية الزراعة العضوية بأهدافها التي تحققها وفي بدايتها المحافظة على صحة الإنسان بالحصول على غذاء سليم والعمل ضمن بيئة نظيفة وإنتاج غذائي ذي جودة عالية وبكمية كافية، والتعامل مع النظم والدورات الطبيعية بطرق تعزز نوعية الحياة بدلاً من محاولة السيطرة عليها، وتشجيع الدورات البيولوجية داخل النظام الزراعي وتطوير نظام الايكولوجي بين مائي ومستدام، والحفاظ على خصوبة التربة وزيادتها على المدى الطويل، واستخدام الموارد المتجددة إلى أقصى درجة ممكنة، وإيجاد توازن متناسق بين إنتاج المحاصيل وتربية الحيوانات وتوفير الظروف المناسبة لجميع المواشي والدواجن كي تمارس نشاطها الطبيعي والتقليل إلى أدنى حد من جميع أشكال التلوث.
ومن خلال شهادات الأطباء يتبين أن الكيميائيات تدخل أجسامنا من دون أن نعلم ومن دون أن نشعر بها، حتى نقع في المرض مع جهل المسببات. ولكن كما هو معلوم، تتسبب المواد الكيماوية التي تدخل أجسامنا عن طريق ما نتناوله من أطعمة بتزايد الاصابة بالمرض، وهذا يتضح جلياً إذا ما قارنا بين الغذاء الذي كان يتناوله أجدادنا ونظافة الزراعة في حينه ونسبة الاصابة بالأمراض التي تغزونا اليوم. وهنا تكمن أهمية الزراعة العضوية وضرورة توسيع زراعتها للوصول إلى منتج نظيف وآمن على الصعيد المحلي. وهذا يتطلب صدور المراسيم التنظيمية للزراعة العضوية في لبنان والتي يفترض ان تحدد المواصفات وطرق المراقبة والتدقيق وإعطاء الشهادات. وهذا ما يعمل عليه وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن الذي وضع اللمسات الأخيرة على المراسيم التنظيمية بناء لتوصية لجنة الزراعة العضوية التي تشكلت في العام 2006 بإشراف الوزير طراد حماده في حينها.
نظام شامل
تعتبر الزراعة العضوية نظاما زراعيا شاملا ومستداما وتفاعليا ومتوازنا، يعتمد على حسن إدارة الموارد الطبيعية والموارد البشرية، يؤثر ويتأثر بالنظام البيئي وبالدورة الزراعية الحيوية. كما أنه يمتاز بالصفة التنظيمية الذاتية لأنه يتيح للعوامل الطبيعية ان تتفاعل وتحقق التوازن، ويمكن إجمالها: في اعتماد آلية الدورة الزراعية التي تعمل على تناوب المحاصيل الحقلية التي تخفف من إجهاد التربة وعدم توطين بعض الأمراض نتيجة تكرار زراعة نفس المحصول لعدة سنوات، واعتماد الأسمدة العضوية والأسمدة الخضراء التي تقلب في التربة وتحافظ على قوامها وتخفف من التلوث الكيميائي للتربة (التي تخرج أحيانا بعض الأراضي من الخدمة) والمكافحة المتكاملة للحشرات وهي برنامج متكامل للزراعة، بدءاً من إطلاق الأعداد الحيوية للقضاء على الحشرات والآفات الزراعية والاعتماد على بعض الطرق الزراعية التي تخفف من الإصابات الحشرية والحرارية والأمراض الفطرية مثل الزراعة المبكرة التي تمكننا من الهروب من الاصابات الحرارية، وبالتالي من الاصابة ببعض الحشرات أو الأمراض. وفي بعض حالات الضرورة، يتم الاعتماد على مانعات الانسلاخ واعتماد الفريق اليدوي أو الآلي للتخلص من الأعشاب الضارة والابتعاد عن الزراعة الكثيفة التي تزيد من الاصابات الحشرية الفطرية، إضافة إلى اعتماد التفريد الجيد الذي يسمح بالتهوئة الجيدة وتوفير مساحة مناسبة للنبات تسمح بعمليات التمثيل الضوئي الجيدة، ما ينتج نباتاً قويا متحملا للظروف البيئية الصعبة، إضافة إلى الحد من الرطوبة التي تحصل نتيجة الكثافة العالية.
كما أن استعمال الأسمدة العضوية يساهم في تحسين مواصفات الثمار الكمية والنوعية ويزيد من تركيز الكربوهيدرات في ثمار الفاكهة والخضار ويعمل على زيادة مدة التخزين للثمار القابلة للتخزين دون إضافة مواد حافظة، ويساعد أيضا على عمل الكائنات الحية النافعة للتربة المجهدة.
إن الزراعة الحافظة أو الزراعة العضوية ما زالت حديثة التداول رغم الجهود الحثيثة التي تبذل لتطويرها وتوسيع مداها، وهناك جهود مشتركة بين وزارة الزراعة والمنظمات الدولية والجمعيات التعاونية الزراعية لنشر ثقافة الزراعة العضوية ولدعم إنتاجها وتشجيع المزارعين لاعتمادها بتقديم الحوافز المادية التي تعوض الفرق في الناتج لأن دونم البطاطا ينتج مثلا طنّين في الزراعة التقليدية بينما ينخفض إلى حوالي النصف في الزراعة العضوية، وهذا ينسحب على باقي المزروعات، لذلك يجب دعمها للتشجيع عليها.
خفض الانبعاثات
في تقرير صدر حديثاً عن اتحاد التربة في بريطانيا يؤكد أن تحويل الأراضي الزراعية إلى الزراعة العضوية سيحقق خفضاً من انبعاثات الكربون يعادل رفع مليون سيارة من الطرق. وأن الزراعة العضوية تنتج في المتوسط مستويات أعلى بنسبة 28 في المئة من كربون التربة مقارنة بالزراعة غير العضوية في شمال أوروبا. وأشار التقرير إلى أن تبني ممارسات الزراعة العضوية على نطاق واسع في بريطانيا سيلغي 23 في المئة من الانبعاثات الزراعية وما يزيد عن ضعفي الخفض الذي تستهدفه الحكومة هناك والذي يتراوح بين 6 و11 في المئة بحلول العام 2020. ورجح التقرير ان يلغي أي تحول على مستوى عالمي إلى الزراعة العضوية 11 في المئة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم.
كما يركز التقرير البريطاني المشار إليه على «المسألة البيئية»، وهي أولوية ما زالت غير منظورة في أجندتنا حتى إشعار آخر.
أما الدراسات الأخرى فتشير إلى ما هو أكثر مباشرة في الطرح، إذ تؤكد أن فقدان التربة للمادة العضوية هو أولى خطوات التصحر لذا شكلت الزراعة العضوية قوام المستقبل الزراعي في سياق التوجه العالمي لاعتماد وإنتاج سلع زراعية وفق هذا النمط النظيف، وهذا ما يظهر جلياً في إيطاليا التي زرعت مليون هكتار في أراضيها بالطريقة العضوية وهذا على خلفية ندوات وأحاديث وإرشادات للتوعية فعلت فعلها لدى المستهلك الأوروبي نبهته إلى أخطار تلوث الغذاء والمبيدات والأسمدة والهرمونات والمواد المعدلة وراثياً.
ليس ترفاً
يدفع المواطن فاتورة باهظة ثمناً لما ننتجه ونستهلكه من منتجات زراعية غير نظيفة، لذلك فإن موضوع الزراعة العضوية لم يعد ترفاً بل أولوية وأمراً لازماً بما أننا أمام حالة من التدهور البيئي وتدهور التربة الزراعية والمياه وبالتالي الصحة.
ان الاعتبار البيئي والصحي بات ضاغطاً وبشكل لم يعد من الحكمة الاستهانة به والاسترخاء في مساعي الاستدراك وتصحيح المعادلة. كما ان تعاون جميع الادارات ذات العلاقة وليس وزارة الزراعة وحدها بات ضرورياً، لأننا سنصل إلى يوم، قد لا يتأخر، نجد فيه أن الأسواق المتاحة لتصريف إنتاجنا الزراعي ستصبح مغلقة أمام منتجنا الزراعي، لأنه منتج غير نظيف حسب الفهم الحديث لمفهوم النظافة. فعلى المزارع أن يقتنع بضرورة التخلي عن استخدام المركبات الكيمائية (أسمدة ـ مبيدات) والتحول إلى الزراعة العضوية لما لها من أثر ايجابي كبير على الصحة العامة والبيئة والمحافظة على التوازن الحيوي والمردود المادي الجيد العائد عليه. كما عليه تبني التسميد بناء على تحليل التربة والاستخدام الحصري للأسمدة العضوية. واستخدام المصائد بأنواعها وضرورة الحصول على منتج عضوي... ولكي يحصل على ذلك، لا بد من تغيير السياسات ومن الدعم الحكومي.
السفير