«الكمّون الأسود»... حبة بركة في المنازل البقاعية: لا يعاني الكمون مع كل المزارعين؛ فمزارعو بلدة إيعات، بعدما خبروا نجاح زراعته في تربة سهلهم الفسيح، «أغرقوه» بمياه الري و«التعشيب»، ليبادلهم الكرم بإنتاجية وافرة «وجيدة جداً»، كما يقول المزارع علي هاشم لـ«الأخبا
لا يعاني الكمون مع كل المزارعين؛ فمزارعو بلدة إيعات، بعدما خبروا نجاح زراعته في تربة سهلهم الفسيح، «أغرقوه» بمياه الري و«التعشيب»، ليبادلهم الكرم بإنتاجية وافرة «وجيدة جداً»، كما يقول المزارع علي هاشم لـ«الأخبار». في سهل إيعات بدأ منذ أيام موسم قطاف الكمّون في أكثر من ألف دونم. عشرات العمال السوريين انتشروا في الحقول لـ«حلش» (حصاد الشتول من التربة يدوياً) شتول الكمون الصغيرة، كما يشرح هاشم، لتُجمَع في «غمار» متقاربة (تكديسها كمجموعات)، بانتظار سهرة «الفراطة» (درسها لاستخراج تلك الحبات الصغيرة). هاشم لا ينكر أنه اكتسب خبرة زراعة الكمون من العمال السوريين الذين يعملون لديه، وهو الذي بدأ زراعتها منذ سنوات؛ «لأنها مربحة، وبتريّح الأرض»، مشيراً إلى أن زراعة الكمون على «عقير شعير أو قمح» (وهي أنواع الزراعات التي سبق أن زرعت في تلك الأرض) يعتبر «دورة زراعية تسمح بزيادة الإنتاجية والنوعية الجيدة من كلا النوعين».
أما مياه الري، التي يراها المزارعون العبء الأكبر في زراعاتهم التقليدية كالبطاطا، فلا يجد فيها هاشم أية مشكلة؛ «فالكمون لا يحتاج إلى الري إلا مرة واحدة، ويعتمد بعدها على مياه المتساقطات، إلا أن زراعته الأفضل هي في منتصف شهر شباط». ويشدد على عدم تأثر الكمون بالثلوج وانخفاض درجات الحرارة، «فالبذور تكون في التربة خلال تلك الفترة، وحتى لو كانت نبتة صغيرة، وينحصر ضررها في فترة الإزهار بداية شهر أيار وخلاله وهي أضرار طفيفة حيث لا برد ولا ثلوج».
بدوره، يشير أحمد علوش، أحد العمال السوريين الذين يقطنون في إيعات منذ أكثر من 30 عاماً، وأحد مزارعي الكمون في سهل البلدة (25 دونماً)، إلى أن الكمون هو من الزراعات الرائجة في سوريا وتركيا وإيران، وأنها نقلت إلى لبنان، لكن «ما زالت محدودة جداً، وتقتصر زراعتها على بعض القرى، علماً بأنها مربحة». أما عن زراعتها، فيقول الرجل إن «كل دونم يحتاج عند زراعته إلى 3 كيلو من الكمون لينتج ما بين 50 إلى 100 كيلو». وبحسب علوش «لا تتطلب هذه الزراعة من المزارع أية أكلاف وأعباء كبيرة، إذ يكفي لزراعتها عدان مياه، ومن ثم رشة مبيدات أعشاب لتقضي على ما يقارب 70% منها، وبعدها عمال التعشيب بالسكين، (2000 ليرة أجر كل عامل لقاء ساعة تعشيب)».
بعد عملية الحصاد، يعمد المزارع إلى عرض شتول الكمون اليابسة على «الدرّاسة» التي تفصل الحبة عن القشر، ليصار بعدها إلى «غربلتها». كذلك تعرض حبات الكمون أيضاً على «مفرك»، أشبه بذلك الذي يستعمل لاستخراج «زهرة حشيشة الكيف»، وذلك بغية إنتاج «الكمون النخب». أما عن حفظ الكمون، فيمكن وضعه في أكياس من الخيش، «ولمدة تصل إلى سنتين، وفي بعض الأعوام لا يبقى من الموسم حبة كمون؛ إذ يجري شراؤه ع البيدر».
غلة الموسم المنصرم كانت «جيدة جداً والأسعار أيضاً»، بحسب علوش، بحيث بيع الكيلو بسعر ثلاثة دولارات و20 سنتاً لمطاحن بيروت، وبعض الفنادق والمطاعم والمحالّ التجارية، بناءً على طلبات مسبقة.
المهندس الزراعي حمد جعفر لفت «الأخبار» إلى أن الكمون من النباتات العشبية الحولية المحدودة النمو حيث لا يتجاوز ارتفاعها أكثر من 50 سنتيمتراً، موضحاً أنها زراعة بعلية ناجحة وتناسبها تربة البقاع ومناخه، وهي تعتمد على مياه الأمطار في شهر شباط موعد زراعتها، وتختلف عن اليانسون الذي يحتاج إلى المياه كثيراً، حتى يعطي إنتاجية.
والجدير ذكره أن للكمون موقعاً ريادياً لدى النسوة البقاعيات في إعداد وجباتهن الغذائية على اختلافها، وخصوصاً أنه يعد من فصيلة التوابل «الفاتحة للشهية»، فضلاً عن شيوع استعماله لعلاج مغص الأطفال وآلام الروماتيزم وأوجاع المعدة ومعالجة الحصى في الكلى ولإيقاف رعاف الأنف.
في سهل بلدة إيعات الخصيب، يزرع أيضاً الكمون الأسود، أو ما يعرف لدى البقاعيين بـ«حبة البركة». فإلى جانب شتول الكمون، تمتلئ حقول أخرى بتلك الحبة السوداء، التي لا يمكن من لا يملك المعرفة بكلا النوعين أن يميّز بينهما. فالشتول متشابهة إلى حد كبير، من حيث الشكل وارتفاعها عن الأرض، أو حتى طريقة زراعتها وطبيعتها العطرية. إلا أن العارف بزراعة «الكمونين»، يمكن أن يميز تلك الزهرة البيضاء الكبيرة التي تحمل في داخلها مجموعة من الحبات السوداء الهرمية الشكل والمذاق الخاص، عن نبتة الكمون التي تتفتح زهيراتها الصغيرة بلون أصفر يتحول لاحقاً إلى زهري، وفي كل منها حبة كمون واحدة.
وهنا، يشير المهندس الزراعي حمد جعفر إلى أن «الكمون وحبة البركة السوداء ينحدران من الفصيلة العشبية الحولية نفسها، لكنّ هناك اختلافاً لجهة الري، إذ تحتاج حقول حبة البركة إلى الري أكثر من مرة حتى تعطي إنتاجية جيدة». أما عن حصاد حبة البركة، فهي أكثر دقة من اليانسون والكمون، «إذ ينبغي التعامل مع حبات البركة الصغيرة بطريقة أكثر دقة، فيعمد العمال في أيار من كل عام ـــ عند نضج الثمار السوداء وجفاف أوراقها القاعدية ـــ إلى قرط النباتات في الصباح الباكر قبل حرارة الشمس وفوق سطح التربة، ثم تحزم وتترك لتجف في الشمس وهي قائمة في مجموعات مع بعضها». وبعد جفافها، تنقل إلى منطقة التجميع لفصل البذرة ميكانيكياً بواسطة الدرّاسات العادية المستخدمة مع الحبوب كالحمص والعدس والكمون، مع تقليل كمية الهواء «حتى لا تتطاير حبة الكمون السوداء مع التبن الناتج منها، لتغربل بعد ذلك وتحفظ في أكياس». فوائد حبة البركة لا يمكن إحصاؤها ومقاومتها، فمؤونة ربات المنازل البقاعيات لا تكاد تخلو من حبة البركة التي تستعمل في تتبيل الفطائر لتكسبها الطعم الشهي، مع خاصية استعمالها كمواد حافظة طبيعية. و«مشاطيح» شهر رمضان لا ينبغي أن تفتقر إلى حبة البركة السوداء، وكذلك مؤونة حبات اللبنة البلدية والكشك الأخضر، التي تلف بحبة البركة لتضفي طعماً وشكلاً على تلك المؤونة، فضلاً عن حفظها من العفن. ومن جهة ثانية تُستعمَل الحبّة علاجاً للكثير من الأوجاع والآلام، ومنها علاج نوبات الربو والمشاكل التنفسية. كذلك فإنها طاردة للبلغم ومخفضة لنسبة السكري ومقاومة لشدة البرد في الشتاء القارس، وتزيد كفاءة جهاز المناعة في مقاومة الأمراض الفيروسية. وتساعد بذور الحبة السوداء الجهاز الهضمي على التخلص من آلام المعدة وتشنجاتها وانتفاخ البطن والمغص، وهي منشطة ومدرة للبول وتساعد في زيادة إدرار اللبن للمرأة المرضع، إلى جانب أنها مفيدة في أمراض البروستاتا والقولون ومنشطة للأعصاب ومقوّية جنسياً.
الأخبار