مكافحة الأعشاب الضارّة بين الحراثة والمبيدات

مكافحة الأعشاب الضارّة بين الحراثة والمبيدات
مكافحة الأعشاب الضارّة بين الحراثة والمبيدات: ينقسم المزارعون فئتين: واحدة «تنادي» بالحراثة أولاً، وأخرى تقول إنها لم تعد مفيدة، مستبدلة بها المبيدات. هذا الاختلاف بين المزارعين ينطبق أيضاً على المهندسين الزراعيين. مع ذلك، هناك ما لا يقبل الجدل: لا أحد بديل لل

ينقسم المزارعون فئتين: واحدة «تنادي» بالحراثة أولاً، وأخرى تقول إنها لم تعد مفيدة، مستبدلة بها المبيدات. هذا الاختلاف بين المزارعين ينطبق أيضاً على المهندسين الزراعيين. مع ذلك، هناك ما لا يقبل الجدل: لا أحد بديل للآخر. لا الحراثة ولا المبيدات
قبل ظهور الجرارات الزراعيّة الحديثة، كانت عمليّة مكافحة الأعشاب الضارة في الحقول الزراعيّة وبين الأشجار المثمرة، تجري يدوياً أو بواسطة سكك مصنوعة من الحديد تجرّها الحيوانات. كانت هذه الوسيلة هي «الدارجة» في تلك الأيام، علماً بأنها لا تزال موجودة في بعض المناطق الجردية الوعرة والمنحدرة التي لا يمكن أن تصلها الجرارات. على أية حال، جرار أو «دابّة»، الإفادة واحدة. فقد أثبتت التجارب أن الحراثة لا تهدف فقط إلى إزالة الأعشاب، بل تساعد أيضاً على تغيير العمليات الهوائية واللاهوائية داخل الأرض، وتهيئة التربة مع بداية الخريف لاستيعاب أكبر كميّة ممكنة من مياه الأمطار، والاحتفاظ بالرطوبة طوال الموسم.
رغم كل هذا، هناك من يقول إن عملية قلب التربة دونها سلبيات كثيرة، منها لناحيّة اضعاف النشاط البيولوجي، وتحطيم بعض المكونات والأحياء الدقيقة المفيدة والمخصبة. لهذا السبب، «يجب التقليل قدر الإمكان من ممارسة الحراثة»، يقول المهندس الزراعي الياس العلم، ناصحاً باستبدال «المبيدات بها؛ لأنها الحل الأمثل للقضاء على الأعشاب الضارة في الأراضي المرويّة المزروعة بالأشجار المثمرة».
«المبيدات لا الحراثة». تكاد تتحول هذه العبارة شعاراً بين المهندسين الزراعيين. فبحسب العلم «مع تطور أساليب الريّ الحديثة وإمكان التحكّم بالريّ والتسميد في آن واحد، تنتفي الفكرة السائدة بأنه لا يمكن الاستغناء عن الحراثة». أما في الأراضي «البعل»، فيكمن جمع الاثنين «المبيدات للسيطرة الشاملة على الأعشاب والحراثة، لكونها أساسية في التربة البعلية». وبالنسبة إلى المبيدات، يقسمها العلم إلى عدة فئات: «بعضها يستعمل قبل الإنبات وأخرى بعده، من بينها أدوية تحتوي على مادة الغليفوزات التي تستخدم لمكافحة الأعشاب الحوليّة والمعمرة في بساتين الأشجار المثمرة». ثمة أنواع أخرى، هي تلك التي تحتوي على «مادة الباراكوات المعروفة بالحرّاق؛ إذ تقضي مكونات هذه الأخيرة على الأنسجة الخضراء مهما كان نوعها، بغض النظر عن فصيلة الأعشاب». ويستدرك قائلاً: «لكن هذه المواد سحبت من الأسواق ومنع استعمالها في لبنان لسوء استخدامها؛ لأنها تؤثر على البيئة وسلامة الغذاء والإنسان».
وعلى عكس ما يقوله العلم، يرى المهندس الزراعي داني أبو خليل، أنّ من المبكر التفضيل بين الحراثة والمبيدات لمكافحة الأعشاب. ويستند في ذلك إلى الدراسات التي يجريها اختصاصيون في عالم الأبحاث العلمية الزراعية. وفي هذا الإطار، يشدد أبو خليل على دور المزارع في «التخفيف من تكاثر الأعشاب الضارة قبل أن تنتج بذوراً، من خلال حراثة التربة بعد انتهاء الموسم الزراعي؛ لأن إهمال ذلك يضطره إلى اعتماد المبيدات التي قد يؤدي الإفراط في استخدامها إلى نتائج عكسية».
الاختلاف في وجهات النظر بين المهندسين الزراعيين ينسحب أيضاً على أصحاب البساتين؛ فمعظم هؤلاء لا يزالون يعتقدون أن الحراثة هي الوسيلة الوحيدة للتخلّص من الأعشاب، فيما يعوّل البعض الآخر على المبيدات للوصول إلى هذه الغاية. وهنا، يقول محمد مجيد، من «أتباع» مستخدمي المبيدات، إنه توقف نهائياً عن حراثة بستانه منذ 6 سنوات، بعدما تبين له أن استخدام المبيدات يحقق الهدف بالقضاء على الأعشاب الضارة. ويعلّل سبب هذا التحول بـ«تجنب الأضرار التي تحدثها الجرارات الزراعيّة وسككها من تكسير للأغصان والمحافظة على شرش الرعوان (الأنابيت الشعريّة التي تنمو سطحياً في بنية التربة) وتوزيع عدد أكبر من الأشجار بعد تضييق المسافات بينها، إضافة إلى تدني الكلفة المادية».
تجربة مجيد لم تقنع قاسم الخطيب (75 عاماً)؛ فالرجل يرفض الفكرة من أساسها، مكتفياً باستخدام المبيدات للقضاء على الأعشاب المنتشرة على جوانب بستانه «في الأماكن الضيقة بين أشجار الدراق المرويّة والتصوينة الشائكة». ويصر على أن «الفلاحة ضرورية لتهوية الأرض، وخصوصاً عزق التربة (نكش على شكل دوائر حول ساق الشجرة). تقنياً أيضاً، تشير بعض الدراسات إلى أن معظم أنواع المبيدات تحتوي على مواد مسرطنة، بعضها يُتلف الجهاز العصبي المركزي، ويسبب تشوهات جينيّة وتناسلية لدى الإنسان، ويؤدي بعضها الآخر إلى خلخلة التوازن الهرموني في الجسم، فيما لا تُعَدّ، بالضرورة، كل الأعشاب التي تنمو تلقائياً في الحقل ضارة؛ لأن بعضها يعمل على تزويد التربة بأعداد كبيرة جداً من الكائنات الحيّة الدقيقة، فضلاً عن أنها مصدر للغطاء الحيوي، وتمثّل ملجأً للحشرات النافعة.

الأخبار