يأمل عاملون في القطاع الزراعي أن تراعي السنوات الأربعون المقبلة أوضاعهم، وترأف الحكومات بطموحاتهم، بعد إهمالٍ ...
يأمل عاملون في القطاع الزراعي أن تراعي السنوات الأربعون المقبلة أوضاعهم، وترأف الحكومات بطموحاتهم، بعد إهمالٍ طويلٍ، أدّى إلى استمرار اعتماد الزراعة في مناطق عديدة على الوسائل البدائية، نتيجة ضعف الدعم والإرشاد، للنهوض بهذا القطاع.
في أجندة الأحلام، يضع رئيس منطقة الجنوب في «جمعية المزارعين» رامز عسيران، تحقيق الاكتفاء الذاتيّ والأمن الغذائي المرجوّين، على رأس اللائحة.
قبل أن يباشر الخوض في غور الأحلام، يستدرك قائلاً: «ستحدّد السنوات القليلة المقبلة ما إذا سيبقى هذا القطاع على حاله، يتخبط من دون تقدّم معتمدًا على القدرات الفردية، أم انه سيسلك طريق النمو المستند إلى خطة دعم وإستراتيجية علمية».
حتى يكون لبنان وقطاعه الزراعي بحجم أحلام أهله، ويعود لبنان أخضر في الواقع لا في الذاكرة فقط، يأمل عسيران أن تكون السنوات الأربعون المقبلة فرصةً لتثقيف المزارعين، وزيادة المساحات المزروعة ما يساعد على تحسين الظروف البيئية والمناخية.
ويركّز على موضوع الأمن الغذائي، «فليس من الخيال الحديث عن قدرة القطاع الزراعي على تأمين أقصى كمية من الإنتاج، لتلبية حاجة السوق المحلي ما يضمن الأمن الغذائي، ويحلّ الكثير من المشكلات».
في موازاة ذلك، يتمنّى ألاّ تخيب ظنونه في أن ينجح لبنان في إدارة ثروته المائية والحد من هدر مياه الأنهار والبحيرات، «فالزراعة عندما تكون مجدية هي إحدى فرص العمل للذين لا يحملون شهادات».
لتعبيد الطريق لأحلام الزراعة، يشدّد عسيران على ضرورة اتخاذ قرارات حكومية لتوجيه ودعم الزراعات المتخصصة التي تميز لبنان عن باقي دول المنطقة، وتشجيع العمل التعاوني لحل مشكلة الحيازات الصغيرة وتوفير الحماية من المضاربة الخارجية للعديد من الأصناف، ولمدة محددة تمكِّن المزارع من تحسين أوضاعه. ويطالب في هذا الإطار بضرورة العودة إلى الرزنامة الزراعية التي تم الاتفاق عليها في «جامعة الدول العربية»، والاستفادة من الاستثناء الذي منح للبنان اثر حرب تموز 2006.
إن إمكانية تحسين ظروف القطاع الزراعي، ووضعه بموازاة الدول الإقليمية، ممكنة، وفق عسيران، إلا أنه يشترط وضع خطة ترتكز على أسس علمية، تشمل وزارات الزراعة والاقتصاد والطاقة والموارد المائية. فمن حق القطاع إجراء مسح جدي للمساحات المروية والمستصلحة، والمساحات غير المستصلحة والمروية، ويمكن استصلاحها، وتحديد الزراعات المطلوب زيادتها بعد دراسة حاجة السوق المحلي والأسواق الخارجية المطلوب الوصول إليها خلال السنوات المقبلة.
هنا تبرز أهمية «تحديد القدرة المائية المتوافرة للزراعة، وسبل تطويرها لزيادة المساحات المروية، واستغلال أكبر كمية ممكنة من مياه الأنهار، التي تهدر في البحر، وإقامة السدود والبرك الاصطناعية، لتجميع مياه الأمطار. علماً ان الدراسات المناخية تشير إلى شحّ في المياه في المستقبل، إضافةً إلى المطامع الكثيرة في مياهنا.
يدعو عسيران إلى «زيادة الإرشاد الزراعي لتحسين وتطوير طرق الإنتاج، ودعم التعاونيات الزراعية المتخصصة لتحسين المواصفات في النوعية والكمية وشروط التوضيب بما يتناسب مع متطلبات السوق».
لا يغيب عن حلم عسيران تأمين صندوق للتعويض عند الكوارث الطبيعية، والسماح للمزارعين بالانتساب لـ«الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، ما يخفف من أعبائهم، وإنشاء محطات أرصاد تتتبع وترصد الأوبئة للوقاية من الأمراض الزراعية ما يساعد في الإرشاد والتوجيه.
يسرد عسيران الواقع الزراعي بين العامين 1974 و1994، معتبراً أنه كان أفضل مما هو عليه اليوم، إذ تم إنشاء مركز متطور للأبحاث العلمية الزراعية، ومحطات للتجارب والدراسات والأرصاد. كما قدمت الحكومة الدعم لزراعة التبغ والشمندر السكري، والقمح وساهمت في شراء المحصول بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، ما شجّع مزارعي البقاع. كما شهدت تلك الفترة إنشاء المشروع الأخضر، الذي ساهم في استصلاح مساحات شاسعة من الأراضي، ومشاريع ري، إضافةً إلى إنشاء مصرف للتسليف الزراعي، ما ساهم بتطوير عدد من المشاريع الزراعية.
في هذه الفترة استطاع الإنتاج الزراعي دخول أسواق الخليج وغيره من الدول المجاورة مثل سوريا والأردن ومصر والعراق، حيث فاقت صادرات لبنان الزراعية 60 في المئة من إنتاج الحمضيات والتفاح والعنب والبطاطا والبصل.
في العودة إلى اليوم، يسترجع عسيران اتفاقية التيسير العربية التي وقّعت من دون وضع شروط لحماية الإنتاج المحلي، أو توقيع اتفاقيات تبادل بين لبنان والدول المعنية بالاتفاقية، فأصبح الإنتاج اللبناني أكثر عرضة للمضاربة مع غياب سبل الدعم التي كانت متوافرة في السابق، واستبدلت بطرق دعم أخرى، ليست بالحجم الكافي مثل مشروع «ايدال»، والقروض الزراعية المدعومة (كفالات).
يذكر بأنّ وزارة الزراعة استطاعت أخيرًا انتزاع زيادة للميزانية المقررة للقطاع، ما ساعد في زيادة التقديمات، وتحديث مراكز الوزارة ومختبراتها الفنية، غير أن هذا كلّه غير كافٍ، لمواجهة أزمة القطاع المتراكمة منذ أكثر من عشرين عاما، وإهمال الحكومات المتعاقبة لهذا القطاع.
السفير - رامز عسيران (رئيس منطقة الجنوب في «جمعية المزارعين»)