"مخُّو بعبُّو" ضحية قلّة المطر

قد تبدو تسمية «مُخُّو بْعِبُّو» غريبة، لكنّها معروفة في الجبال وهي نبتة تعتبر الأكثر شهرة بين أنواع «السليقة» البرية، وتشبه ...

قد تبدو تسمية «مُخُّو بْعِبُّو» غريبة، لكنّها معروفة في الجبال وهي نبتة تعتبر الأكثر شهرة بين أنواع «السليقة» البرية، وتشبه إلى حد ما «الهندباء البرية»، لكنّها مختلفة عنها كون أوراقها ملتصقة بالأرض أي أنها لا ترتفع أبداً وتتمدد دائرياً فتبدو ملتصقة بالتراب، ومن ثم ترتفع من وسط النبتة زهرة صفراء بساق طويلة، وفي هذه المرحلة تصبح غير صالحة للاستهلاك بسبب بداية تصلب أوراقها. وتطرح الزهرة بذاراً مع بداية الصيف فتتجدد تلقائياً عاماً بعد عام.
وجاءت تسمية «مُخُّو بْعِبُّو» كون هذه النبتة المحببة لدى المواطنين والتي تكثر في الأراضي الجرداء في هذه الفترة من كل عام، لها خاصية مميزة، ذلك أنه ما إن تقطع النبتة بالسكين من كتلتها الجذرية حتى تنكمش نحو منبت الجذور وتأخذ شكلا كرويا، فيبدو منبت الجذور كرأس (مخّ) مختبئ في حضن (عبّ) إي مجموعة الأوراق الملتفة على نفسها.
في الماضي كان الـ«مُخُّو بْعِبُّو» يتصدر مائدة الفلاحين ومرتبطاً كغيره من أنواع الأعشاب البرية بنمط حياة القرية، إلا أنه في فترة الرخاء الاقتصادي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وانتشار الزراعات المحمية واعتماد أنواع من الخضر الوافدة، تراجع الاهتمام بالبرية وما تغدق من خيرات لا تتطلب الا قطافها وحسب، إلا أنه في هذه الفترة ومنذ سنوات عدة بدأ الناس ينتظرون موسم الـ«مُخُّو بْعِبُّو» نتيجة العوز من جهة أو البحث عن غذاء صحي لا تدخل فيه الكيماويات من جهة ثانية.
ويقول أحد المعمرين في المتن الأعلى نجيب ضو (98 عاما): «في فترات القحط والحروب والمجاعة كان آباؤنا يلجأون إلى الطبيعة وكانوا يعرفون كل نبتة، وخبروا فوائد كل منها ونحن تعلمنا منهم وعلمنا أبناءنا، وكان أشهرها نبتة المُخُّو بْعِبُّو لطعمها الطيب وأتحدى أن يجد أحدهم نبتة أطيب مذاقاً منها في السلطة».
أما الخبير في الحياة الطبيعية والبرية شمعون مونس فيشير إلى أن «لهذه النبتة منافع لا تحصى وهي مقاومة للأمراض ومقوية لجهاز المناعة وغنية بالفيتامينات فضلا عن أنها تنمو بعيدة عن الملوثات والكيماويات وتؤكل نيئة أو مسلوقة». ويلفت إلى أن «المُخُّو بْعِبُّو لم يعد موجوداً بالكثرة التي كان عليها قبل عشرين سنة بسبب التمدد العمراني والمقالع والكسارات، فضلاً عن التغير المناخي».
ويوضح مونس أن «انحباس المطر في هذه الفترة ساهم في تضرر النباتات البرية ما ساهم في بعض المناطق في عدم اكتمال نموها لتكون نضرة وبكامل عناصرها الغذائية»، لافتاً إلى أنه في السابق «كنا نحصل على كميات كبيرة في رقعة أرض صغيرة، أما الآن فلا بد أن نقطع مسافات طويلة لنحصل على كميات أقل».
ويشير مونس إلى «أننا لم نعثر بعد على الإسم العلمي لهذه النبتة»، لافتا إلى «أننا وجدنا صوراً في الموسوعات النباتية العالمية لكن الأمر يحتاج إلى دراسة أكثر، لأنّ بعض النباتات متشابهة الى حد بعيد ووجدنا أنواعا عدة لا نوعاً واحداً مشابها لها». ويقول: «نحن الآن بصدد تصنيف النباتات البرية الصالحة كغذاء وكدواء، لكن ذلك يتطلب بعض الوقت، على أمل أن نصدر دليلاً مصوراً عن هذه النباتات وفوائدها الصحية والغذائية والطبية».
ويلفت بائع الخضار منير الصايغ إلى أن «نساء كثيرات يعتشن من السليقة ونحن نشتري منهن الـمُخُّو بْعِبُّو وأنواعا عدة مرغوبة من المواطنين الحريصين على صحتهم ونوعية غذائهم».

السفير

"مخُّو بعبُّو" ضحية قلّة المطر