يُعتبر لبنان من البلدان التي تشهد ظاهرة غذائية خطيرة تتجلّى في اعتماد معظم أفراد مجتمعه على نظام غذائي خاطئ مضرٌ بالصحة ، وذلك نظراً لتطور المعيشة والتأثر بسياسة العولمة الاقتصادية، التي أرسلت ما يسمى بالوجبات السريعة المشبّعة بالدهون ، وكل
يُعتبر لبنان من البلدان التي تشهد ظاهرة غذائية خطيرة تتجلّى في اعتماد معظم أفراد مجتمعه على نظام غذائي خاطئ مضرٌ بالصحة ، وذلك نظراً لتطور المعيشة والتأثر بسياسة العولمة الاقتصادية، التي أرسلت ما يسمى بالوجبات السريعة المشبّعة بالدهون ، وكل ما هو صناعي وغير صحي.
هذا الأسلوب المعتمد في النمط الغذائي يؤدّي للوصول إلى عواقب سلبية في صحّة الفرد ووقوعه في مشاكل صحيّة مزمنة مثل : أمراض السمنة ، أمراض السكر ، أمراض تصلّب الشرايين، أمراض الكولسترول ، والدهن بالدم ، إضافة ً إلى الإحساس بضعفٍ في النشاط البدني ...
وعندما يتناول الإنسان هذه الأغذية ، فمن حقّه أن يتوقّع أنها تتمتع بجودة عالية وأنّها سليمة وصالحة للإستهلاك . لكنّ الأمراض التي تنقلها هذه الأغذية والأضرار التي تنتج عنها مزعجة ، بل وإنّها قد تكون مميتة .
إنّما بيدنا ، يمكننا إحداث تغييرات في عاداتنا الغذائية وإعتماد طرق جديدة وسليمة لإنتاج الأغذية . لذلك ، فمن الضروري إجراء الرقابة الفعّالة على النظافة والجودة للمنتوجات الغذائية حيث أصبحت أمراً لا بدّ منه لتجنّب الأضرار الصحيّة والإقتصادية للأمراض التي تنقلها الأغذية والإصابات التي تحدث بسبب هذه الأغذية .
ولتجنّب هذه الأضرار الصحيّة ، علينا إعتماد الغذاء الصحي الآمن الذي بدوره يساهم في الحفاظ على صحّة جيّدة طيلة العمر كله وتحسين صحة الإنسان .
فما هو الغذاء الصحّي الآمن ، وما مدى أهميته ؟
هو الغذاء الخالي من الملوثات والمخاطر والذي لا يسبب أذى أو ضرر أو مرض للإنسان على المدى البعيد أو القريب ، كما ويؤمّن جميع إحتياجات جسم الإنسان من العناصر الغذائية من البروتينات والنشويات والدهون والفيتامينات والأملاح المعدنية والماء، ويشمل جميع المجموعات الغذائية. لذا لا بدّ أن يكون الغذاء متنوعاً شرط أن تكون الوجبات صغيرة مع تقليل الدهنيات وتجنّب القلي قدر الإمكان والإكثار من الألياف الموجودة في الفواكه والخضروات ، إضافة إلى الإكثار من شرب الماء ، مع عدم إتّباع بعض السلوكيات الخاطئة فيما يأكله أو يشربه الإنسان ممّا يضرّ بصحته مثل التدخين ، والإتجاه للسلوك الذي يساعد على الصحة والحيوية كممارسة التمارين الرياضية وغيرها ...
هذا هو النمط التغذوي السليم والصحي ، الذي يُشعر الإنسان دائماً براحة نفسية وعلى إطمئنان أنّه لن يُصاب بأمراض مزعجة . ونجد هذا النظام معتمداً بنسبة مرتفعة في الأرياف اللبنانية في المناطق الجنوبية والبقاعية ، حيث يعتاش أهالي هذه المناطق من إنتاجهم الزراعي ، ويبيع المزارعون إنتاجهم كسلع رخيصة ليس لها أي قيمة إضافية .
يُعرّف علم الصناعات الغذائية بأنّه التطبيق العملي الذي يهدف إلى إعداد وتصنيع وحفظ وتسويق المواد الغذائية باستخدام نتائج وأسس العلوم الأخرى في تصنيع الأغذية لزيادة مدة تخزينها، والمحافظة على جودتها.
ويؤدي التصنيع الغذائي دوراً أساسياً في الإنتاج الزراعي والغذائي في العالم، عن طريق تحقيق أقصى استفادة ممكنة من ذلك الإنتاج، من خلال تصنيعه وحفظه.
ظهرت بداية الصناعات الغذائية على شكل تجارب شخصية كانت تهدف إلى حفظ الغذاء في وقت إنتاجه إلى الفصول الأخرى. وقد بدأ التطوّر العلمي في تصنيع الأغذية نهاية القرن الثامن العشر، حيث أخذ يعتمد على أسس علمية صحيحة.
ومن أبرز العلماء الذين طوّروا هذا العلم سلباني الذي اتبع أسلوباً علمياً لحفظ الأغذية عام 1765، وأبرت الذي طوّر المعاملة الحرارية للأغذية باستخدام مبدأ التجربة والخطأ في عام 1809 ولويس باستور الذي اكتشف البسترة في عام 1850. وبرزت لاحقاً أبحاث حفظ الأغذية بالتبريد في عام 1875، وعمليات تجميد الأغذية عام 1890، وقد استخدمت طريقة حفظ الأسماك بواسطة التجميد عام 1934، أمّا طريقة الحفظ بالاشعاع فقد ظهرت عام 1930.
إضافة إلى التجفيف الشمسي الذي يُعتبر من أقدم الطرق المستعملة في حفظ المواد الغذائية، حيث تطوّرت عنها صناعة البرغل. وقد تطوّر التجفيف من الطرق البدائية إلى الطرق الآلية وإلى التجفيد. وتطورّت أيضاً عمليات التعليب والتبريد والتعقيم والتجميد، حيث أجريت العديد من الدراسات للوصول إلى طرق صحية في حفظ وتصنيع الغذاء للحصول على منتوجات ذات قيمة غذائية عالية وبأساليب اقتصادية .
أهمية التصنيع الغذائي:
تحتل صناعة الغذاء مكانة مهمة بين جميع الصناعات، نظراً لأهمية الغذاء كعنصر رئيسي لنمو الإنسان وبقائه على قيد الحياة، خاصّة مع تزايد عدد السكان في العالم وظهور مشكلة الغذاء، وتتلخّص فوائد عمليات التصنيع الغذائي بما يلي:
1. تصنيع وحفظ الأغذية من التلف والفساد ومن مسببات التسمم الغذائي.
2. توفير الأغذية الموسمية والإنتاج في الأسواق طوال السنة، وبالتالي المحافظة قدر الإمكان على مستوى الأسعار.
3. الاستفادة من بقايا المزارع وتحويلها إلى مواد مفيدة، كإنتاج المولاس من بقايا عصير قصب السكر.
4. إنتاج أغذية ضمن مواصفات ومقاييس محددة ترفع من جودتها.
5. توفير الوقت والجهد عن طريق تناول أغذية محفوظة سهلة التحضير.
6. إنتاج أغذية جديدة لمواجهة ازدياد عدد سكان العالم، والمساهمة في الحدّ من الجوع ومشاكل سوء التغذية.
7. توفير أغذية خاصّة بفئات خاصّة كالمرضى مثل الأغذية المنزوعة الدسم، والأغذية المخصصة لمرضى السكري.
8. توفير فرص عمل، ورفع المستوى المعيشي وازدياد القدرة الاستهلاكية والقوة الشرائية، وتشجيع الاستثمار، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي قدر الإمكان.
أما في لبنان فإنّ قطاع الصناعات الغذائية يشكل قطاعاً رئيسياً ويلعب دوراً هاماً في الاقتصاد اللبناني ويساهم في 4.5% من الناتج المحلي. وفيما يتعلق بالطاقة الإنتاجية للصناعات الغذائية فهي تُمثّل أكثر من 26 % من الإنتاج الصناعي العام وتوظّف 3% من مجموع اليد العاملة. وهي تعتبر من بين الصناعات اللبنانية الأكثر تصديراً إذ تذهب منتجاتها إلى ما يزيد عن 75 بلداً.
رغم أهمية هذه الصناعات محلياً، إلا أنّ إنتاجها لا يكفي السوق اللبنانية. من هنا، يعمد لبنان إلى استيراد العديد من المنتجات الغذائية من الخارج ما يولّد عجزاً في الميزان التجاري للصناعات الغذائية تصل نسبته إلى 80%. أبرز الواردات: الجبنة، الحليب، اللحوم، القمح، الذرة والأرز. أما أبرز صادرات هذا القطاع فهي: المعلبات الغذائية، المياه المعدنية، النبيذ والتبغ.
والجدير ذكره أنّ عدد مصانع الصناعات الغذائية في لبنان يبلغ 4500، وهي تحتل المرتبة الأولى بين القطاعات الصناعية الأخرى من حيث العدد .
جاء الإسلام ليحوي في طياته على تنمية مستدامة من قبل الحفاظ على الموارد للأجيال القادمة ، ولكن المشكلة هي بعدم الإهتمام بهذه الجوانب التي يجب الإهتمام بالفرد لأنه أساس أي عملية للتنمية ولأنه هو يجب أن يتطور لتتطور معه التنمية ، وهي على قاعدة لا أخشى على أمتي الفقر بل أخشى عليها من سوء التدبير .
لذلك نلحظ في كثير من آيات القرآن الكريم ، حرص الإسلام البالغ على تنمية قدرات الإنسان وتنمية موارده الإقتصادية ليعيش حياة طيبة كريمة ، هانئة مليئة بالإنجاز والعمل الصالح . وذلك من قوله تعالى «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» (النحل: 97) .
والهدف من هذه التنمية بناء القدرة البشرية من خلال إكتساب المعرفة ، حماية البيئة ، توافر الرعاية الصحية وتقديمها ، بث روح التعاون ومواجهة التحديات ، وتفعيل دور المرأة في مجتمعها...
إذ أنّ المرأة تستطيع أن تؤدّي أدواراً عدّة في مجتمعها ، وتحديداً المرأة الريفية التي يمكنها القيام بأهم دور من أدوارها والذي هو الدور الرئيسي إن لم يكن كلّه في مجال التصنيع الغذائي .
وهناك العديد من النساء الريفيات يعشن تحت خط الفقر ، ممّا يستوجب ذلك العمل على تحسين هذه الأوضاع بطرق شتى منها تحسين وضعها الإجتماعي والإقتصادي والثقافي عن طريق التعليم وترقية الصناعات الريفية وإدخال التقانات الحديثة في إنتاج الغذاء والأدوات المساعدة .
كل ذلك بهدف تحويل الإنتاج الزراعي لأهالي الأرياف من سلع إلى صناعات غذائية ، وإمتصاص فائض الإنتاج الزراعي ، إضافة إلى تحسين أوضاع الأسرة الإقتصادية وخلق فرص العمل ، وزيادة الدخل العائلي وبالتالي رفع معدل الدخل العام في الريف .
طالما أنّ المرأة الريفية تملك القدرة في صناعة الأغذية الريفية ، ولأجل إفادة أفراد المجتمع وحماية المستهلك من التعرّض للمشاكل الصحية ، فمن واجبنا كمسلمين ، إعطاءها الفرصة لإظهار هذه القدرة لتتمكّن فيما بعد بإنشاء مشاريع صغيرة ومفيدة شرط أن لا تتعارض مع قيمها وتقاليدها الإجتماعية .
ولتحقيق هذه التنمية في الريف ، لا بدّ من مساعدة المرأة في تأهيلها وتطوير طرق إنتاجها ، وهي بدورها عليها مستقبلاً أن تتحمّل العبء الأكبر في نشاط إنتاج وتصنيع الغذاء في الريف .
من هنا يأتي دور الجمعيات أو التعاونيات كي تقف إلى جانب أفراد المجتمع بشكل عام ، ودعم المرأة الريفية بشكل خاص مادياً ومعنوياً من أجل العمل على تطوير قدراتها ، ما يساعد ذلك في تمكنّها مستقبلاً من الإعتماد على ذاتها للعمل بإحتراف والعيش بكرامة من ناحية ، ومن ناحية أخرى توجيه وتثقيف الناس إنتاجياً وإستهلاكياً لتشجيع أصحاب المهارات على تصريف وتسويق منتوجاتهم .
وتكون التعاونيات بذلك قد إضطلعت بأدوارها الأساسية في الحدّ من الفقر من خلال مساهمتها في خلق الوظائف في الأرياف اللبنانية من جهة ، وفي القضاء على مشكلة البطالة عبر خلق وعي ثقافي وإستهلاكي وزرع الطمأنينة لدى أفراد المجتمع من جهة أخرى .
وإنّ ذلك يؤدي إلى تمكين النساء في الريف من المشاركة في الخبرات والأيدي العاملة ، ما يمكنّهم ذلك من إنتاج كميات من نفس المنتج وبأسعار منافسة تشجع المستهلك على شراء وفتح سوق المنتج .
ولتعزيز ثقة المستهلك بجودة الصناعات الريفية ، على المرأة الريفية التي ستؤدي دورها في مجال التصنيع الغذائي أن تحقق الغاية من هذه الصناعات وإظهار مبادئ نظافة الأغذية للمستهلك ، وذلك من أجل :
* توفير الحماية الكافية للمستهلك من الأمراض أو الأضرار الناتجة عن الأغذية .
* توفير الضمانة بأن الأغذية صالحة للإستهلاك البشري .
* المحافظة على الثقة في جودة الصناعات المنزلية .
* توفير أفضل الطرق للممارسات الغذائية الجيّدة .
* تعليم المستهلكون على طرق الإنتاج الأمثل .
* تجنّب إستعمال المواد المضرّة بالصحة كالمضافات غير الطبيعية والملوّنات .
من المعروف أنّه لا يوجد طعام واحد يحقّق معجزة الشفاء ، ولكن الغذاء الصحي الجيّد والمتوازن الذي يشمل الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات وجميع الصناعات الغذائية البلدية الخالية من الدهون يضمن السعادة البدنية والنفسية ، كما أنّ هذه الأطعمة الصحية تساعد في الوقاية من الأمراض وفي علاجها كذلك .
"الطعام هو الداء والدواء مصداقاً "
فالمعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء ، لذلك فالتوازن في الغذاء هو سرّ الحياة في الوقاية والعلاج .
وإنّ من حق كلّ إنسان الحصول على أغذية سليمة ومغذية، إضافة إلى حقه في الغذاء الكافي وحقّه في التحرر من الجوع.
ولتحقيق ذلك ، لا بدّ من تحقيق ما يسمى بالتنمية الريفية التي تهدف إلى إحداث التوازن بين الريف والحضر وضرورة وصول التنمية إلى كل قرية من القرى اللبنانية ، وخاصةً تحقيق تنمية قدرات المرأة في تعزيز قطاع التصنيع الغذائي ، وتقديم الخدمة الأساسية لها في تثبيت دورها داخل قريتها وفتح الأبواب أمامها لإظهار قدراتها كي تفيد المستهلك في تعرّفه على طرق تحضير الغذاء البلدي والصحي إضافةً إلى أهميته وفوائده الصحية في تحقيق وسيلة لإطالة عمر الإنسان، كما وحمايته من عدم التعرض للأمراض المميتة . وكما يقول الله تعالى في كتابه العزيز : " وكلوا من طيّبات ما رزقناكم " .
إنّ دعم قطاع التصنيع الغذائي وسيلة أفضل لعيش أفضل ، ما ساعد ذلك المرأة على تحسين مستوى المعيشة داخل أسرتها، إضافة إلى مساهمتها في بيع وتصريف منتوجاتها داخل الريف وخارجه.